مزاح.. ورماح

«مكاتب الأشباح..!»

عبدالله الشويخ

أنت بالطبع سمعت عن «بيوت الأشباح»، هي ثيمة تقليدية يجب أن توجد في كل مدينة تحترم نفسها، في مدينتي هناك ثلاثة بيوت على الأقل يؤمن أهل المدينة بأنها «مسكونة»، على الرغم من أن هناك من «يسكنها» منذ 30 عاماً بالفعل! ولك أن تتخيل كم الإحباط والألم النفسي الذي يعيش فيه صاحب المنزل (الحقيقي) كلما دعا أحد الجيران إلى مناسبة معينة، وجاءه الجواب من جيرانه العامرين بالإيمان: إن شاء الله! لا يوجد ما هو قادر على تحطيمك أسوأ من إشاعة تدغدغ مخاوف الناس! وفي الأفلام لاشك في أنك رأيت «مدن الأشباح»، وإن كانت نشرات الأخبار قد بدأت تسرق هذه الميزة من قنوات الأفلام! لكن هل سمعت عن «مكاتب الأشباح»؟! يمكنني أن أدلك على أكثر من بناية أو «بزنس هب»، ما الترجمة الأفضل لهذا المصطلح؟ فيشة أعمال ربما! في كل إمارة توجد فيشة أو فيشتان عبارة عن منطقة فيها عدد من المكاتب أو المحال، تدخل إليها فلا تسمع إلا صوت أمعائك الدقيقة، وحين تصل إلى مكتب الإدارة في تلك البناية أو التجمع، وتجد ذلك الآسيوي النائم فتوقظه، وتعتذر إليه عن الإزعاج بالطبع، من الذي يجرؤ على إيقاظ موظف في مكتبه؟! وتخبره بأنك تتشرف بأن تكون أول من يستأجر في تلك البناية أو المنطقة، فيفاجئك بأن يقول بكل ثقة: لا توجد شواغر، المكاتب مملوءة! توجد لائحة انتظار.. يمكننا تسجيلك فيها! تفهم اللعبة بالطبع! فـ«مكاتب الأشباح» جميعها مؤجرة للذين يؤجرونها مضطرين، بسبب قوانين إدارات الهيئات الاقتصادية لاستخراج رخص تجارية عليها، وبهذا يبقى هناك طلب مستمر عليها، بينما يجاهد رواد الأعمال للحصول على مكاتب معقولة في أماكن معقولة، فلا يجدون سوى البلدات الصغيرة، لكي يسجلوا شركاتهم الحقيقية فيها.

«مكاتب الأشباح» لم تعد حالات، وإنما أصبحت «ظاهرة» لن أعدد أماكنها وأسماءها، لأنني لم أستأجر بعد، وأخشى أن يضعني مُلاكها في اللائحة السوداء، لكنها معروفة، وسلبياتها كثيرة، منها أن الداخل إليها قد يأخذ فكرة سلبية جداً عن الوضع التجاري والاقتصادي، في حال لم يكن لديه تصور حقيقي عن لعبة «إصدار الرخص»، ومنها اضطرار التاجر الحقيقي، الذي لا يحتاج إلى هذه المساحات للترخيص، لأن يؤجر، وفي ذلك وضع أعباء مادية عليه، ستنعكس على مزاجه الاستثماري المهم للبلد، ومنها أن رواد العمال من الشباب وغيرهم يضطرون إلى الهجرة إلى مدن بعيدة، بدلاً مما هو قريب إليهم، وقِس على ذلك القضايا المتعلقة به، من مرور وأوقات وتأثير اجتماعي وغيرها!

يقال إن «مايكروسوفت» بدأت في كراج، و«فيس بوك» بدأت على درج منزل! وعشرات قصص النجاح التي لم نسمع أن إحداها بدأت في «مكتب أشباح»، تم استئجاره لغرض إصدار رخصة!

في ظل الازدحام الذي غزا البلد منذ يوم الأحد الماضي، وفي ظل التحولات التقنية إلى كل ما هو إلكتروني وأثيري، والدراسات التي تُرغّب الآباء في العمل من المنازل، من الواضح أن هذا هو الوقت الصحيح لإعادة النظر في شروط وجود مكاتب على الأرض لإصدار رخص لكثير من أنماط الأعمال، خصوصاً الاستشارية والذهنية المكافحة للأشباح وما في حكمها!

#عبد الله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر