كل يوم

«غرّد».. حتى نراك!

سامي الريامي

يبدو أن الوقت قد حان لتغيير تلك الجملة الشهيرة، التي قالها سقراط قبل آلاف السنين: «تكلمْ حتى أراك»، فالأصح اليوم أن نقول: «غرّد حتى نراك»، والتغريد هنا لا يقتصر على «تويتر» فقط، بل هو فعل شامل ينطبق على جميع وسائل التواصل الاجتماعي.

وسائل التواصل كشفت معادن الناس، وكشفت مستوى تفكيرهم، وكشفت أوجهاً كانت متوارية خلف أقنعة مزيّفة، فعرفنا حقيقة كل منهم، وعرفنا الصالح الرزين من السطحي العقيم، وكم كنا معجبين بشخصيات على طول الوطن العربي وعرضه، كنا نظنها مميزة، فتهاوت الصورة وتحطمت، مع كل ظهور أول تغريد لتلك الشخصيات على مواقع التواصل! وكم اكتشفنا مواهب ومعرفة وثقافة في شخصيات، لم نكن نعرف أصحابها قبل مشاركتهم في تلك المواقع! فعلاً التغريد جعلنا نراهم على طبيعتهم وحقيقتهم دون تزييف.

كثير من المغردين يعتقدون أن الأمر مجرد كلمات بسيطة ينتهي مفعولها سريعاً، لكنهم لا يدركون أبداً أن تلك الكلمات التي يغردون بها تعني الكثير، فهي تكشف مستوى تفكيرهم وأخلاقهم والتربية التي نشؤوا عليها، وهي غير مرتبطة بالشخص نفسه، فبسبب تغريدة سيئة أو بذيئة، أو بسبب نقاش عقيم، قد يفتح المغرد النار على نفسه وأهله وقبيلته ودولته، ففي التواصل الاجتماعي، للأسف، لا حدود للإساءة أو البذاءة!

ليس هو المكان المناسب للنقاش، هو مكان للتصفيات والتشفي والضرب من تحت الحزام وفوقه، كما أنه ليس مكاناً للإقناع أو الاقتناع، فإنك لن تهدي من أحببت في «تويتر» مثلاً، هناك المسيّرون والمسيّسون، والمتحزبون، وهناك الإمعات أيضاً والمنساقون، ولكلٍّ أهدافه ومسبباته للدخول، ومحاولة التأثير، وللأسف، فإن العرب، بشكل عام، لا يعرفون ثقافة الحوار الحضاري الراقي، بل يستبدلونها بثقافة سبّ وشتم الشخص وأهله وبلده، إن لم يرق لهم ما يكتب، أو لأنه فقط من دولة يختلفون معها سياسياً!

لا يهمنا ما يحدث في كثير من الدول، بقدر ما تهمنا الإمارات وسمعتها وموقعها الريادي، لذلك يجب أن يعرف كثير من مغردي الإمارات أن الإمارات لا تستحق سوى المحبة والتقدير والذكر الطيب، والدخول في جدل ومشادات مع أولئك الكارهين لنا لن يفيدنا شيئاً، فهم يتحينون الفرصة فقط من أجل النيل من دولتنا الراقية، ويقحمونها فوراً في أي نقاش، ويستبدلون التعدي على المغرد بالتعدي على الدولة والحكومة، فلِمَ نعطيهم مثل هذه الفرصة؟ ولمَ نتجادل معهم في الأساس؟ ولمَ لا نستخدم لغة العقل التي تحتم علينا ألا ننزل إلى مستوى التافهين، حتى لا نكون مثلهم؟!

المغرّد لا يمثل نفسه في معظم الأحيان، والأمر هُنا ليس شخصياً بحتاً كما يعتقد البعض، وعندما يقرر المغرد أن يكتب في السياسة تحديداً، فعليه أن يكون متمكناً من معلوماته، متأكداً منها، يعرف بالضبط ما الذي يكتبه، ومستعداً لجميع ردات الفعل، لأنه هنا سيفتح النيران المضادة على دولته أولاً، وما أكثر أولئك الكارهين والحاقدين والمتحزبين، الذين ينتظرون أي فرصة تُشبع رغباتهم الدنيئة للنيل من الإمارات!

التعصب، والرغبة في رد الصاع صاعين، صفتان متأصلتان في معظم العرب، لكن الترفع وعدم رد الإساءة بالإساءة، والتعامل بخلق حسن، وعدم مجاراة السفهاء، هي صفات أجمل، وهي قيم ومبادئ عربية إسلامية، حثنا عليها رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وديننا الحنيف، وهي الأسلوب الأمثل لترك الحاقدين يزدادون كمداً وقهراً.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر