٥ دقائق

القيم الأخلاقية في مناهج التعليم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

مخرجات التعليم، في البلاد الإسلامية عموماً والعربية خصوصاً، لا تلبِّي أهدافه التي رسمت له، لاسيما في التربية الأخلاقية، التي هي الشطر الأول لمؤسسات التعليم، فإن اسمها المؤسسي «التربية والتعليم» وهي شاملة للتعليم النظري والتجريبي أو التطبيقي، فهي مؤسسة واحدة، ذات شعار مؤسسي واحد، ومعنى ذلك أن التربية الخُلقية مكون أساس في مناهج التعليم، وإذا أُطلق لفظ التربية في مناهج التعليم فيقصد به «التربية الإيمانية والخُلقية والسلوكية»، فكم حصة هذا الشطر من مناهج التعليم؟ لعل الكل يعرف الجواب، ولما كان الجواب سلبياً فإن مؤسسات التعليم تكون قد فقدت المخرجات التي أرادتها، لكنها تتجاهل الإخفاق السلوكي للمخرجات أثناء وبعد التحصيل الدراسي، وينعكس ذلك سلباً على المجتمع والأمة، فإن أكثر المظاهر السلبية، بل عامتها، تأتي كنتيجة حتمية لفقد أو ضعف التربية الخُلقية، فالمخدرات والشذوذ والكبر والسِّباب والخصومات والولاء الخارجي والتحزب المقيت والتّفحيط والفوضى.. كلها من آثار فقد التربية الخُلقية، فيكون حال المجتمعات ما عبر عنه شوقي بقوله:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم * فأقم عليهم مأتماً وعويلا

نعم أقم عليهم مأتماً؛ لأنهم فقدوا سر الحياة التي يتعايش بها الناس ويسعدون، كما قال شوقي:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فكان لابد أن تكون التربية الخُلقية أهمَّ ما يُعتنى بها في مناهج التعليم، لأنها ستنشئ المواطن الصالح لنفسه وبلده، فتجعل منه إنساناً مؤمناً بالله محسناً في عبادته ومعاملاته، محباً للغير كمحبته لنفسه، وتجعله كريماً حليماً حييّاً صدوقاً وفياً محباً رحيماً رضياً قنوعاً سمحاً شجاعاً قوياً..وهذه المكارم الخُلقية وإن كانت في الأصل مواهب إلهية ومعادن نَسَبِية، إلا أن اكتسابها ممكن بالتربية والقدوة الحسنة ومجالسة أصحاب هذه الأخلاق الفاضلة، كما قال الرصافي رحمه الله:

هي الأخلاقُ تنبتُ كالنبات * إذا سُقيت بماء المكرماتِ

تقوم إذا تعهدها المُربي * على ساق الفضيلة مُثمِرات

وهو ما قرره أهل التربية من أن الأخلاق منها فطري ومنها مكتسب، وكما قال أبوالدرداء، رضي الله تعالى عنه: «إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحَلُّم، ومن يتحرَّ الخير يُعْطه، ومن يتوق الشر يُوقَه».

نقول هذا في ظل توجيه أصحاب السمو الشيوخ، حفظهم الله ووفقهم، أن تكون التربية الخُلقية أساساً في مناهج التعليم؛ لأنهم يحملون همَّ الأمة، فهم يريدون للأجيال أن تكون متدرِّعة بالأخلاق الفاضلة، وعند الله تعالى ورسوله، صلى الله عليه وسلم، منزلة، فقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً»، ويقول «ألا أخبركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟» فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثاً، قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: «أحسنكم خُلُقاً»، ويقول: «إن المؤمن ليُدرك بحسن خُلُقه درجة الصائم القائم».

وذلك لأن حسن الخلق يعني أنه مؤمن قوي، ومسلم سوي، فيحمله حسن خلقه على حسن العبادة لله وحسن المعاملة للناس، وذلك هو جوهر الإسلام.

ولعظيم مكانة التربية الخلقية في الإسلام نجد أن صدر الرسالة، وهو المرحلة المكية، لم يُعن بشيء بعد توحيد الله تعالى إلا بغرس القيم الخُلقية، حتى كان نحو ربع القرآن يعالج هذه القضية، وما شرعت الأحكام والتشريعات إلا في المرحلة المدنية، ولقد شرعت الصلاة في العام السابع للبعثة، وهي من وسائل غرس القيم الخلقية، لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.

لذلك يُسمى ديننا دين الأخلاق، ونبينا، صلى الله عليه وسلم، بعث ليتمم مكارم الأخلاق، والدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الدين.

فكان لابد من التركيز على التربية الأخلاقية في المناهج؛ تلقيناً لمبادئ مكارم الأخلاق ونصوصها، واستشهاداً بِسِير الصالحين، وتطبيقاً في سلوك المربين، فينشأ الناشئون على حب هذه المكارم ثم يطبقونها سلوكاً، وبالله التوفيق.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر