٥ دقائق

الدراما الخليجية:المعالجة والطرح

عبدالله القمزي

تلقيت ملاحظات عدة على المقال الثالث للدراما الخليجية، كان أبرزها: هل تتوقع أن تشاهد دراما خيال علمي خليجية؟ الجماعة يعملون على قدر استطاعتهم. وأجيب في الحقيقة لو شاهدت دراما خيال علمي خليجية لصفقت لها على الأقل على جهود محاولة كسر التقليد.

تتسم الدراما الخليجية بأساليب معالجة كانت تستخدم من أيام عهد الديناصورات، أبرزها أسلوب المحاضرة في إيصال المعلومة، وهو قريب جداً من أسلوب التمثيل البدائي أيام مسرح المدرسة، فعلى سبيل المثال إذا أرادت شخصية أن تعبّر عن غضبها للأخرى بسبب نكران جميل، فالجملة واحدة لا تتغير ولن تتغير وهي: «الشرهة مو عليك..علي أنا اللي...» (بالمناسبة أصيب في تخمينها بنسبة 98%).

• صورة رسخت في ذاكرتي رغم أني لا أحب تذكرها.

المشاهد اليوم ذكي ونبيه، وليس بحاجة إلى محاضرة ليعلم الصح من الخطأ، وبالعكس فإن أسلوب المحاضرة هو المنفر، أسلوب المحاضرة في الدراما الخليجية ينقسم إلى قسمين، مباشر وغير مباشر: الأول عندما نرى شخصية جالسة لوحدها في غرفتها تتحدث لنفسها لتحاضرنا عن دوافع سلوكها في موقف معين، فنراها تعيد شرح ما شرحته في مشهد سابق كانت قد شرحت فيه المشروح مرتين، على الأقل، لأن الهدف هو الحشو أكثر من إيصال المعلومة! والثاني عندما تحاضر مجموعة شخصيات شخصية واحدة لخطأ اقترفته الأخيرة.

بما أن الأول واضح، دعونا نضرب مثالاً بالآخر: فتى تورط في قضية مخدرات ودخل السجن، تأتيه عائلته للزيارة، فنرى والدته تلومه، ثم والده وعمه وخاله وأشقاؤه، وكل واحد لديه محاضرته الخاصة في مشهد واحد (قد يحوي إغماءة كلاسيكية لأحد الوالدين)، فينهار الفتى قائلاً: خلاص.. بس.. اتركوني، وتفيض عيناه بدموع لا تنطلي حتى على الأطفال.

أو قد يرحمنا المخرج قليلاً من عذاب الاستماع إلى المحاضرات عندما يكتفي بواحدة فقط، معظمها منقول من بروشورات إدارات مكافحة المخدرات، أو مؤسسات توعوية أخرى، وهذه المحاضرة تبدأ عادة بجملة: ما قلت لك يا ولدي إن المخدرات تؤدي إلى الدمار والضياع.. هذه آخرة تربيتي! وطبعاً بإمكان المشاهد العبث بهاتفه الذكي حتى تنتهي المحاضرة.

المَشَاهد في المثال أعلاه لم تتغير منذ أن دخلت المخدرات موضوعاً في الدراما الخليجية. دعوني الآن أنقل لكم الموضوع نفسه من مسلسل أميركي هو (Breaking Bad) أو (الانحراف)، المعالجة كسرت التقليد، ولم تذهب إلى المدمن الذي نعلم أنه منحرف سلوكياً ونحن مغمضو العينين، لكن ذهبت إلى شخصية مدرس كيمياء يكتشف أن لديه مهارات عالية جداً في صنع المخدرات، فيستغلها من دون أن يدمن على ما يصنعه، وهنا انكسر التقليد بشكل كامل وتولدت لدينا معالجة جديدة.

المسلسل لا يحاضرنا عن آثار المخدرات المدمرة في الفرد والمجتمع، بل يستغل كل لقطة لإضافة جديد يدفع بالقصة إلى الأمام، وليس الحشو من أجل الحشو، فنحن نشاهد ما يحدث له ولعائلته حتى النهاية ونخرج بنتيجة واضحة.

آخر الكلام: في عام 2004 كنت أمشي في محطة قطارات في سنغافورة، وشاهدت على الجدران صورة فتاة واقعة على الأرض وسط قيئها مع سؤال: هل أنت مدمن مخدرات؟. كانت صورة رسخت في ذاكرتي رغم أني لا أحب تذكرها، وليست مسلسلاً من 30 حلقة نسيته رغم أنه حاضرني وذكرني عشرات المرات.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر