كل يوم

يوم لن تنساه البشرية من مطار البطين..

سامي الريامي

لا يمكن لأحد أن يلوم الطيارَين برتراند بيكارد ورفيقه أندريه بورشبيرغ، قائدي الطائرة «سولار إمبلس 2»، عندما فقدا السيطرة على مشاعرهما وذرفا الدموع خلال المؤتمر الصحافي، الذي عقد أمس في أبوظبي، بمناسبة عودة الطائرة من رحلتها التاريخية، فلقد «وصفونا بالجنون، لكننا غامرنا ودخلنا التاريخ».. هكذا قالا!

لا يمكن أن نلومهما على دموع الفرح والنجاح، فلقد استطاعا في هذه الرحلة أن يكتبا تاريخاً جديداً يضاف إلى أهم محطات ومراحل تاريخ الطيران في التاريخ البشري، ومنذ البدايات الأولى عند عباس بن فرناس، الذي يعتبر أول من حاول الطيران، إلى الرسام الإيطالي الشهير ليوناردو ديفنشي، أول من أجرى التجارب المعملية، واستنتج النظريات الهندسية، وسجل حركات الطيور الفنية، وبحث حركة الهواء. وكان له الفضل في وضع مخططات الطائرة العمودية، ومنه إلى عام 1891، حيث صُنعت أول طائرة شراعية، بوساطة العبقري الألماني أتوليلينتال، ثم بعد ذلك تكللت محاولات الطيران بالنجاح على يد الأخوين «رايت» عام 1903، عندما فازا بأول محاولة طيران ناجحة في التاريخ الإنساني.

ما حدث في أبوظبي، أمس، سيُخلده التاريخ بالقرب من هؤلاء المشاهير في عالم الطيران، وسيأتي ذكره تلقائياً، كلما أتى ذكر الطائرات وصناعتها، وهو بالفعل كما قالت نائبة رئيس الاتحاد السويسري، دوريس ليوتار: «هبوط الطائرة في مطار البطين يوم مميز في تاريخ البشرية، وبلاشك، فقد دخلت الطائرة وأبوظبي التاريخ من أوسع أبوابه».

الطائرة «سولار إمبلس 2»، التي انطلقت من أبوظبي في شهر مارس العام الماضي، وعادت لتهبط، فجر أمس، في مطار أبوظبي، في ختام رحلتها التاريخية التي شملت 16 محطة، هي الأولى التي تحلق حول العالم من دون استخدام قطرة وقود واحدة، بل بالاعتماد كلياً على الطاقة الشمسية، وحلقت لمسافة تزيد على 40 ألف كيلومتر، وعلى ارتفاع وصل إلى 9000 متر، وأكملت خلال رحلتها 500 ساعة طيران.

ليس هذا كل ما سيذكره التاريخ، بل هناك ما هو أهم وأغرب، فعالم صناعة الطيران والأجيال المقبلة لن ينسيا أن هناك دولة «نفطية» هي الإمارات، كانت سبباً مباشراً في هذا الإنجاز، ولولاها لم يكن النجاح سيحالف هذه الرحلة، فالإمارات موّلت ورعت وتبنت هذه الطائرة، التي لم تجد من يفعل ذلك لمدة تزيد على 15 عاماً، ولم يكن يتوقع أفضل المتشائمين أن تفعل ذلك دولة تعتمد على اقتصاد متنوع يشكل فيه النفط ثقلاً كبيراً، ما قد يؤثر في دخلها المستقبلي، لكن الإمارات وقادتها يدركون، من دون شك، أن الحياة النظيفة، والحفاظ على كوكب الأرض، ومصلحة البشرية، والمبادرة في دعم الابتكار، أشياء لا يمكن مقارنتها بدخل أو مال، لذلك فالإمارات واحدة من أكثر دول العالم تطوراً واستثماراً في الطاقة البديلة، وواحدة من أكثر دول العالم دعماً للابتكار.

لن ينسى التاريخ أن هناك شخصاً كان له الفضل في هذه النقلة النوعية في عالم الطيران، هذا الشخص هو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي دعم فكرة الطائرة، وتابعها باستمرار، هذا الدور الريادي الذي قام به عزّز دور الإمارات وأبوظبي لقيادة تحول العالم إلى الطاقة المتجددة والنظيفة، وأرسل رسالة واضحة للعالم بقناعتنا وإيماننا بالابتكار لمصلحة البشرية، في وقت لا يرى العالم من جهة الشرق سوى الخوف والقلق.

يحق لجميع من أسهم في هذا الإنجاز الإنساني التاريخي أن يفخر بما قدم، ويحق لنا كإماراتيين أن نفخر بإسهام «مصدر» الفاعل، التي أثبتت من خلالها أنها شركة وطنية متميزة على مستوى عالمي في مجال تطوير مشروعات الطاقة المتجددة المبتكرة والتكنولوجيا النظيفة، وأنها تسهم وبشكل مؤثر في بناء مستقبل أكثر استدامة.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر