مزاح.. ورماح

لقد جُنّ العالم يا صديقي!

عبدالله الشويخ

«لقد جُنّ العالم يا صديقي..!!»

صرخت بتلك العبارة وأنا ألوّح لصاحبي بصحيفة «الإمارات اليوم»، و... حسناً لا داعي لأن أبدأ أسبوعي بالكذب، بصراحة لم تكن صحيفة «الإمارات اليوم»، لكنني مضطر لقول هذا! أنت تعرف ما يُسمى بـ«إنترنال بوليسيز»! المهم أنني كنت ألوح له بالصحيفة وأريه أخبار الجنون الذي يجتاح العالم، لا داعي لتكرار أسماء المدن العربية، فالدم فيها رخيص، ولكن نيس وباريس وإسطنبول وميونيخ، وتلك المدن الراقية المسالمة، ما الذي يحدث؟! نظر إليّ صاحبي بهدوئه المستفز وهو يجيب: ومن قال لك إن العالم كان عاقلاً ذات يوم؟! الجنون هو السمة السائدة في التاريخ لو أنك قرأته! سنواتنا الـ40 الماضية هي الاستثناء وليس العكس!

وقبل أن أكمل حديثي مع صديقي دعني أرسم صورة عنه في مخيلتك، هو يرى أن «أميركا» هي «جذر دوح الموبقات.. وكل ما في الأرض من شرٍّ هو الأغصانُ»، كما يقول التعبير العبقري لأحمد مطر. صاحبي يدخن غليوناً شيوعياً جداً لو كان للغليونات معتقد، وعلى كتفه اليسرى وشم يمثل الثائر اللاتيني الشهير «تشي جيفارا»، أو كما يسمونه في الفريج «شي تشي – أو شيء مثل ذاك»، وبالطبع فشعر صاحبي منسدل بإهمال على طريقة المثقفين البوهيميين، وخلفه مكتبة تعج بروائع الأدب الروسي القبيح، كيف تكون روائع وقبيحة؟! إنه سحر الأدب الروسي كما يراه مناصروه! كلما دخلت عليه أخفى أمراً ما تحت سريره، لا أريد أن أسيء الظن، لكنه أشبه بقوطي السفن أب، متدين بطريقته التي تعتمد على قوة أعمال القلوب، أعزب رغم أنه اقترب من الـ50، هناك دائماً ذكرى ضبابية يختلط فيها الواقع مع «الخرط» لراقصة باليه رومانية أعدمها أنصار تشاوتيسكو!

يصرّ صديقي على أن العمة اللطيفة أميركا التي أخرجت لنا كل جميل في هذا العالم بدءاً من الفأر ميكي وحتى آل سيمبسونز الكرام هي السبب وراء كل تلك المصائب، أسايره في أفكاره وأسأله: إذاً ما الحل؟! يعتدل في جلسته ويتجشأ لأشم رائحة حامضة، ولكني أحسن الظن مرة أخرى، ويقول لي بانتباه، بعد أن جاءت الفكرة: أولاً المتطرفون لا يستمعون إلى أحد من غير دائرتهم، لذا علينا التواصل إلكترونياً مع بعض المتحمسين من الميليشيات التي تطالب باستقلال تكساس على سبيل المثال، علينا أن ندعي أننا منهم وأننا رجال أعمال أو ممولون لأعمالهم ولا نستطيع أن نكشف لهم من نحن بسبب مراكزنا المهنية، ونمولهم بشكل كبير ونمدهم بتفاصيل العمليات التخريبية التي يجب أن يقوموا بها، إقناعهم ليس صعباً فهم في العادة من الحمقى المتحمسين.

أبعد الهاتف المتحرك عني على عادتي كلما بدأ صديقي بالـ«تخبيص» وأساله: ثم ماذا؟ يكمل: إذا انزخوا فهم «أون ذير أوون»، وإذا نجحوا فقد حققنا الهدف بتدمير الإمبريالية من الداخل! أسأله حزيناً: وماذا عن ميكي وسبايدر مان وأبطال مسلسل فريندز ومكتبة الكونغرس والحلم الأميركي؟ يضع صديقي يده على كتفي وهو يتمتم: ضحايا حروب! نحن نحرك الخيوط من بعيد، أما الحماقات فهم الذين ارتكبوها! ستُقال فيهم قصائد مادحة، وسيكرههم آخرون حدّ الموت، ولن يعرف أحد من ورائهم أبداً، صدقني يقول مهندسو الاتصالات إن أسهل الطرق لإنشاء وسائل اتصال حديثة هي أن تستغل البنية التحتية الموجودة أصلاً! أهزُّ رأسي وأنا أتساءل: لماذا يبدو لي هذا السيناريو مألوفاً جداً؟!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر