مزاح.. ورماح

«صاحب القلب الكبير..!!»

عبدالله الشويخ

لن تتخيل كم هو كبير قلب صاحبي!! كبير إلى درجة أنه يسع الكثيرين في الوقت ذاته.. كنت دائماً أراقب تصرفاته مع زميلات العمل.. كان مثالاً للرجل الشرقي الحنون.. يشتري باقة ورد لهذه.. يطلب الأخرى لموعد يناقش معها فيه آخر ما وصلت إليه في دراستها الجامعية.. يساعد ثالثة في التغلب على عقبات الحياة المادية.. كثيراً ما كانت إحدى الزميلات «تدق» عليه في وقت متأخر لأنه جعل من هاتفه المتحرك مركزاً للاستشارات العاطفية المجانية على مدار الساعة.. كان دائماً ما يشير إلى قلبه وهو يقول لي: هذا يجب أن يكون مثل الفندق.. يتسع للجميع!!

طيبته ليست محصورة في مكان جغرافي معين، ففي الأسواق والمولات كان دائماً ما يوزع غمزاته وابتساماته عليهن.. الابتسامة صدقة كما يؤكد لي.. كان قلبه الكبير يؤمن بهذا.. يساعد تلك في أن توقف سيارتها في مواقف المول الضيقة.. حماسته في تلك اللحظات لا تضاهيها حماسة أي شرطي مرور محترف يرغب في أن تنتهي أزمة مرورية يخشى تطورها.. يشير بيديه لتراه السائقة عبر المرآة الأمامية.. ارجعي.. ارجعي.. بعد.. بعد.. بااااس.. ما شاء الله عليج.. محصلة الليسن بجدارة.. أبداً والله واجب.. اسمحيلي سيارتي بعيدة ولا الواجب اشل سيارتي وتوقفين سيارتج.. لا أبداً... إذا احتجتي شي كلميني.. هذي بطاقتي.. العفو.. الناس للناس!! تذهب «السائقة» ويشير إليّ وإلى قلبه مرة أخرى وهو يقول بصوت خفيض: تذكر.. مثل الفندق... للجميع!!

لن أنسى ذلك اليوم الذي كنت أمشي معه على الكورنيش فدفعني بقوة لينطلق مثل أبوالحروف إلى البحر.. أقوى من الشدة، أطول من المدة، أسرع من رمش العين.. وأخرج شقراء كانت تصرخ في وسط البحر.. وقام بالإجراءات الصحية المتبعة مع الغرقى في تلك الحالات رغم أنها أخبرته بأنها بخير، إلا أنه أصرّ على أن الوقاية خير من العلاج.. وأنه يريد لرحلتها في بلادنا أن تكون ذكرى جميلة لا مأساة تفزع حين تتذكرها!

هو الوحيد الذي أعرفه ولا يتأفف من اتصالات تلك الشركات المزعجة التي تعرض عليك منتجاً أو اشتراكاً في منتجع أو مجموعة من الحلول العلمية السخيفة للحفاظ على نقاء هواء وماء منزلك.. كان يجيب على استفسارات المتصلات بكل رحابة صدر وكأنه يملك الوقت كله.. ليس هذا فحسب، بل كان بعد أن يعطيهن جميع ما يُردن سماعه ويقوم بالاشتراك يسألهن عن سبب اضطرارهن إلى تلك الوظيفة المهرقة لماء الوجه، والتي تعرف بالـ«تيلي ماركيتينج»، ويستفسر عن دراستهن ويطلب منهن السيرة الذاتية والصورة الشخصية ليبحث لهن عن وظيفة أفضل في مكان أفضل.. يتمتم في نهاية المكالمة.. وجزاكم أختي الفاضلة.. الشكر لله.. واجب.. يشير إلى قلبه للمرة السابعة وهو يقول لي.. تذكر أنه يكفي الجميع!

في كل موسم صيف أتذكر صاحبي وأدعو له وأنا أعاني من عبارة «لا توجد غرفة إضافية.. لقد تم حجز آخر غرفة قبل لحظات» كلما ولجت إلى هذه المواقع التي أصبحت ضرورة من ضرورات الحياة الصيفية.. أدعو له مبتسماً وأنا أتذكر قلبه.. الذي لم يتمكن أي فندق أو منتجع أو مشروع سياحي من أن يمتلك قدرته على توفير الشواغر.. حفظك الله يا صاحب القلب الكبير!!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر