5 دقائق

إخراج الزكاة يحقق السعادة المجتمعية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تحقيق السعادة المجتمعية مقصد شرعي عظيم؛ لذلك فرض لها الشارع الحكيم وسائل اجتماعية كثيرة، من أهمها إخراج زكاة المال وزكاة الفطر، لما لهما من أثر مباشر في تحقيق السعادة لذوي الحاجة من الأصناف الثمانية الذين عطف الله تعالى عليهم، فجعل لهم حقاً معلوماً من ماله سبحانه الذي آتاه بعض عباده، ليعيش المجتمع الواحد في سعادة كاملة، لأن الغني العاقل لا يسعد بماله إذا كان يرى غيره يتضوَّر جوعاً أو عُرياً أو في همِّ الدَّين أو ذُلِّ الحاجة في بلد الغربة، أو غير ذلك؛ لأن هؤلاء هم إخوانه المسلمون الذين يهتم لهم كما يهتم لأمر نفسه، وإن لم يكن مهتماً بهم لأنانيته فلحماية نفسه من شر الفقراء وذوي الحاجة الذين قد تحملهم الحاجة على الخروج عن جادة الصواب إلى فعل ما يخل بالأمن والنظام؛ فإن الفقر كما قالوا كافر، فشرع الإسلام لتحقيق سعادتهم فرائض مالية في أصناف الأموال الزكوية النامية، من نقود وعروض ومما تخرجه الأرض من الحبوب والثمار ومن بهيمة الأنعام ومما تُكنُّه الأرض من المعادن والكنوز، ونحو ذلك مما قيل بوجوب الزكاة فيه، كالحلي والعسل وبعض الثمار.. كل ذلك لأن في الناس حاجة إلى ما يسعدهم في حياتهم، فإذا قدر المسلم على إسعاد أخيه كان من حق الأخوة، الإيمانية والإسلامية، أن يُبذل لهم من عُلالة الدنيا ما فيه إسعادهم، فإنه لا يذوق طعم السعادة في نفسه حتى يراه في غيره، وإلا كان شاعراً بالحزن إن كان قلبه حياً، أو الخوف من الحسد والبغي إن كان أنانياً، ولمحبة الله تعالى لعباده المؤمنين أمرهم أمر إيجاب بالإسهام في إسعاد الآخرين بما سماه زكاة وحقاً وصدقة، وندبهم إلى ما هو فوق ذلك من إقراض الله قرضاً حسناً، يوضع في يد الفقير فيتقبله الغني الحميد سبحانه، ويضاعفه له أضعافاً مضاعفة، فإن لم يفعل كان ظالماً لنفسه بعدم تقديم ما ينفعها، أو بالبخل بما وجب عليه فيعذب به يوم القيامة، والمرء لا يجمع المال ليعذب به بل ليسعد به ويسعد غيره كما قالوا:

اشترِ العز بما بيع فما العزّ بغالي

وليس هناك عزّ ولا علياء تقصد أو تكتسب مثل جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، المتقون الذين من أبرز صفاتهم أنهم ينفقون في السراء والضراء، ناهيك عن سعادة الإنفاق التي يشعر بها المحسنون، فإن هذه السعادة لا توازيها سعادة، فهم يجدون فيها لذة العطاء، ويتذوقون فيها طعم الكرم، ويشمُّون منها رائحة الإحسان، وهي المعاني التي تكون مع المعطي ذي اليد العالية، واستشعار مِنَّة الله أن جعله معطياً لا آخذاً، فيسعدون في الدنيا قبل الآخرة.

ليس هناك عزّ ولا علياء تقصد أو تكتسب مثل جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

وبذلك تتشابك عوامل السعادة في إعطاء الزكاة بين المزكي الباذل والمزكَّى له الآخذ، وبها تعلم سر فريضة الزكاة التي أوجبها الله على المسلمين، فتؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، والتي هي قنطرة الإسلام بل هي عزمة من عزمات ربنا، كما ورد في الحديث «من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء»، فجعلها عزيمة لأن بعض الناس قد لا يدخلون الجنة إلا بالسلاسل، وتلك هي رحمة الله تعالى بعباده الفقراء إليه، فيحملهم على ما يسعدهم شاؤوا أو أبوا، وذلك لعلمه بمعوقاتهم عن المسارعة إلى الخيرات من نفس أمّارة بالسوء، وشيطان يعدهم الفقر ويأمرهم بالفحشاء، وهوى قد يضل عن سواء السبيل، وصدق الله إذ يقول: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر