أبواب

«منو ياينّا هالحزة!»

محمد حسن المرزوقي

مازلت أتذكر حجم الدهشة التي سقطت على روحي بعد قراءة رواية «ساق البامبو»، للكويتي سعود السنعوسي، وكيف تحولتُ، بين ليلة وضحاها، من قارئٍ نهم إلى مبشّر على طريقة القساوسة، أدعو العصاة والمنحرفين عن جادة القراءة إلى اكتشاف هذا العمل غير المسبوق.

ما يميز رواية «ساق البامبو»، في رأيي، هو الفصول التي كانت تجري أحداثها في الفلبين، وهي الفصول التي دفعت السنعوسي لحجز تذكرة الطائرة إلى الفلبين لالتقاط تفاصيل الحياة هناك.

لذلك حين قرأتُ عن تحويل الرواية إلى مسلسل درامي، لم أتحمس للخبر، ولم أشعر بالسعادة كما فعل القرّاء الذين قرأوها، بل وضعت يدي على قلبي خوفاً عليها.

على الرغم من ذلك، لم أطلق أحكاماً مسبقة، وفضلت الانتظار لمشاهدة العمل قبل أن أبدي رأياً حوله، مؤمناً إلى حدّ ما بمقولة الروائي السوري حيدر حيدر (بتصرّف) بأن «مشاهدة مسلسل جيد تعادل قراءة رواية جيدة». مع أني أدرك تماماً أن حيدر حيدر لم يسبق له أن شاهد مسلسلاً خليجياً، وإلا كان لعن اللحظة التي قال فيها هذه العبارة، ولعن معها الدراما الخليجية.

وحين شاهدت، بعد ذلك، الحلقات الأولى من المسلسل واكتشفت أن المخرج صادر الدهشة التي اعترتني بعد قراءة الرواية، لم أجد قلبي في مكانه.

قبل سنوات، وبعد أن حققت الكاتبة الأميركية جودي بيكولت شهرة عالمية، قررت بدافع من الحماسة، وربما الطمع، أن تحول روايتها الشهيرة «جليسة أختي» إلى فيلم هوليوودي.

جاء العمل مخيباً للآمال، ولم ينقذه من الفشل أداء النجمة الجميلة كاميرون دياز، دور البطولة فيه، بعد أن عبث فيه المخرج وفريقه، وشاهدت بعد ذلك مقابلة لجودي بيكولت تقول فيها إن هذا أكبر خطأ ارتكبته في مسيرتها الأدبية.

قوة الكاميرا، وهي تحوّل الكلمة المكتوبة إلى صورة مرئية، قد تتجاوز قوة العمل الأدبي في التأثير. ولعل ذلك ما دفع الناقد، عبدالله الغذامي، لأن يكرر دائماً أن هذا الزمن هو زمن ثقافة الصورة، غير أن الأهمية الكبرى للكاميرا تكمن في سرعة وسهولة وصولها ومن ثم انتشارها للملايين من البشر على اختلاف مستوياتهم الثقافية.

لذلك أعتقد أنه يوجد، في أعماق كل روائي، مخرج مولع بالشاشة، يطمح إلى إعادة كتابة روايته بالكاميرا، لكن هذه العملية خطيرة وقد لا تنجح دائماً، وتعني أن الروائي يقبل أن يختطف شخص آخر خياله ويعيد تشكيله بطريقته ورؤيته الخاصة.

ما يميز رواية «ساق البامبو»، في رأيي، هو الفصول التي كانت تجري أحداثها في الفلبين، وهي الفصول التي دفعت السنعوسي لحجز تذكرة الطائرة إلى الفلبين لالتقاط تفاصيل الحياة في الفلبين، تلك التفاصيل الصغيرة صنعت الرواية، وهي التفاصيل نفسها التي أضاعها المخرج للأسف، واستبدلها، بشكل مستفزّ، بتفاصيل مبتذلة ومكررة في أغلب المسلسلات الخليجية.

كقارئ أستمتع بالنص الروائي لـ«ساق البامبو»، وجدت أن النصّ الدرامي للرواية «مبهدلٌ» جداً، كشاب استيقظ متأخراً عن موعدٍ غرامي، وخرج إلى الشارع يضع نصف قميصه داخل البنطلون، والنصف الآخر يتدلى خارجه، ويرتدي جوربين بلونين مختلفين، ثم استقلّ سيارته من دون أن يشذّب لحيته، أو حتّى يغسل وجهه. وأدرك بعض أن وصل إلى حبيبته ووجدها تغطي شفتيها بكفها دهشة، بأنه حطم صورته الجميلة التي علقتها ببرواز ذهبيّ في خيالها.

وهكذا أنا، كهذه الفتاة، لا أعرف إلى هذه اللحظة ما الذي يتعين علي فعله أو قوله تعليقاً على الطريقة التي جاء بها المسلسل.

أو ربّما علي أن أرفع حاجبي إلى الأعلى، وأتصنّع الدّهشة قبلَ أن أقول على طريقة المسلسلات الكويتيّة: «منو ياينّا هالحزة!!».

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر