5 دقائق

سياسة العالم الافتراضي

عبدالله القمزي

نعيش أجواء الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهي انتخابات تاريخية في كل جوانبها، فلدينا هيلاري كلينتون أول مرشحة رئاسة عن الحزب الديمقراطي في التاريخ، ودونالد ترامب أول رجل أعمال لم يخض غمار السياسة سابقاً ولم يتقلد منصباً حكومياً، ولدينا أول معركة انتخابية تدور رحاها بشكل خاص واستثنائي في العالم الافتراضي، أي على شبكات التواصل الاجتماعي.

ترامب، حالة فريدة من نوعها، رجل أعمال بزغ فجأة وتصدّر المشهد، وأصبح المرشح الوحيد عن الحزب الجمهوري. كلينتون تخطط جيداً ويقود حملتها فريق متخصص ولا تتفوّه بكلمة قبل موافقة خبرائها، بينما ترامب معتمد بالكامل على عفويته.

الحرب الانتخابية بينهما تدور بشكل شبه حصري على حسابيهما في «تويتر»، والحسابان يعكسان شخصيتيهما، ونلاحظ ذلك في حساب كلينتون من خلال أسلوب كتابة التغريدات، فهو مرتب ومراجع جيداً، ما يعكس اعتمادها الشديد على الخبراء في تحضيرها. ترامب على الجهة الأخرى عفويته وعنجهيته تنعكسان في حسابه الذي نرى فيه أخطاءً إملائية ونحوية ونوعاً من اللامبالاة، حيث إن أسلوبه الحاد جداً يرتكز على الهجوم والضربات المفاجئة، ولعلّنا نذكر كيف أطاح خصومه في المرحلة التمهيدية باستفزازهم وإغضابهم علناً، بينما ظهر هو هادئاً ومتماسكاً جداً.

من أظرف التغريدات في الحسابين، كانت تغريدة ترامب التي أدان فيها مصادقة الرئيس أوباما على ترشيح كلينتون، ناعتاً إياها بالمحتالة، كلينتون من جهتها ردّت عليه بعبارة: «أَلغِ حسابك»، فجاءها الرد سريعاً وساخراً منه: كم احتجتِ أنت وطاقمك المؤلف من 823 شخصاً للتفكير بهذا الرد، وأين خبأتِ الـ33000 رسالة إلكترونية التي شطبتِها من حسابك؟ (يقصد التحقيق في قضية ربط كلينتون هاتفها البلاكبيري بخادم خاص في منزلها، حيث استقبلت رسائل إلكترونية تتعلق بعملها على الخادم، ما أثار شكوكاً في إمكانية تعرّضه لاختراق جاسوسي).

من خلال رد ترامب السريع خصوصاً، وحرب التغريدات عموماً، فإننا نلاحظ أن كلينتون لا تستطيع مواكبة سرعة ترامب وحدّته على «تويتر» من جهة، ونلاحظ أن ترامب رغم عفويته إلا أن لديه إحاطة كاملة بفريق كلينتون وطريقة عملها من جهة أخرى. فالرجل يعلم تماماً ما يفعله ومتى يفعله. ولعل دليلنا على ذلك السرعة التي قلب بها تصريحه المعادي للمسلمين بمنع دخولهم إلى الولايات المتحدة عندما اقترب من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، وقال إنه كان مجرد اقتراح قابل للدراسة، لكنه قلبه مجدداً إلى سياقه الأصلي معترفاً بأنه كان يعنيه بعد وقوع الهجوم في أورلاندو الأسبوع الماضي.

ذلك لا يعني أنه سيفوز بالبيت الأبيض، خصوصاً أن كلينتون متصدرة وفوزها شبه مضمون، لكن في الوقت نفسه لن يكون من الحكمة الاستهانة بترامب في الأشهر الخمسة المتبقية، فهو استطاع تقليص الفارق فور وقوع هجوم أورلاندو، وغير مستبعد أن يقلب الطاولة عليها.

مسك الختام: في عصر ما قبل الهواتف الذكية، وتحديداً صيف عام 2004، كنت أشاهد نشرة الأخبار، وكان مرشح الرئاسة عن الحزب الديمقراطي وقتها جون كيري يقول أمام جماهيره: لمزيد من المعلومات عنّي يرجى زيارة موقعي على الإنترنت جون كيري دوت كوم. 12 عاماً فقط غيّرت قواعد اللعبة السياسية ونقلتها بأكملها إلى عالم افتراضي، فماذا سيحدث بعد 10 أعوام من اليوم. تأمّلوها.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر