كل يوم

حمّال يسرق قلماً.. والدولة تتكبد الخسارة!!

سامي الريامي

حمّال بسيط، يعمل في جهة حكومية، سوّلت له نفسه، ووسوس له شيطانه بسرقة قلم من شنطة صغيرة، هذا القلم تبلغ قيمته بالضبط خمسة دراهم، رصدته الكاميرات المثبتة في الصالة، أُعيدت اللقطة مراراً ليتأكد الجميع أنه الجاني، جهة عمله قررت تسليمه للشرطة التي بدورها حولته للنيابة، والقضية الآن في محاكم الدولة لتمر بجميع فصول التقاضي في مختلف درجات المحكمة!

الحكم المتوقع، وفق هذا النوع من القضايا، هو الحبس لمدة تراوح بين ثلاثة وستة أشهر مع الإبعاد، بالتأكيد هذا الحمال في حكم القانون مذنب، ويستحق العقوبة القانونية على فعلته، ولا أحد يرى عكس ذلك، ولكن دعونا فقط نستعرض السيناريو الآخر، وهو الكلفة الحقيقية التي ستتكبدها الدولة جراء جريمة بسيطة جداً لم تتعدَّ قيمة المسروقات فيها الخمسة دراهم!

• كلفة سرقة قلم بخمسة دراهم، دفعتها الدولة بمبلغ يفوق مبلغ السرقة بأربعة آلاف ضعف وأكثر، فهل هذا أمر منطقي وطبيعي؟ وهل هذا هو الحل الأمثل للتعامل مع هذه الجرائم البسيطة جداً، ومرتكبيها؟!

كم حجم الوقت الذي ستشغله الجريمة في مراكز الشرطة، ومن ثم أمام وكلاء النيابة، قبل تحويلها إلى القضاء لينظر فيها ثلاثة قضاة كل منهم في درجة من درجات التقاضي؟ وهل تعلم تلك الجهة التي يعمل بها هذا الحمّال، والتي قررت تسليمه للشرطة، بأن القانون يلزم المحكمة توكيل محامٍ خاص لهذا المتهم، تتحمل الحكومة دفع تكاليف أتعابه لعدم مقدرة المتهم على دفع الكُلفة؟ والأهم من ذلك أننا لو افترضنا صدور الحكم بصيغته المخففة، وهي الحبس لمدة ثلاثة أشهر، فإن كلفة هذا السجين التي ستتحملها الحكومة ستبلغ قرابة 14 ألف درهم، على اعتبار أن كُلفة السجين في سجون دبي تبلغ ما يقارب 150 درهماً في اليوم الواحد!

طبعاً هذا على افتراض أن المتهم سيبقى سليماً معافى من دون أن يصيبه أي مرض طوال فترة حبسه، أما إذا أصيب بأي مرض، مهما كان نوعه، فلكم أن تضيفوا كُلفة العلاج والأدوية، إلى ذلك الرقم، وتالياً يمكن أن يتضاعف حسب نوعية المرض، بعد هذا كله ستضطر الدولة إلى حجز تذكرة سفر على نفقتها لإبعاد هذا المتهم!

كلفة سرقة قلم بخمسة دراهم، دفعتها الدولة بمبلغ يفوق مبلغ السرقة بأربعة آلاف ضعف وأكثر، فهل هذا أمر منطقي وطبيعي؟ وهل هذا هو الحل الأمثل للتعامل مع هذه الجرائم البسيطة جداً، ومرتكبيها؟!

ليس معقولاً أبداً أن هذه الصيغة هي الوحيدة للتعامل مع مثل هذا القضايا، ونحن هُنا لا نلوم الشرطة والنيابة والمحاكم، فهي مضطرة إلى التعامل مع القضية على أنها جريمة جنائية مهما كان حجم السرقة، لكن كان يفترض أن تتعامل تلك الجهة مع المتهم بأي طريقة أخرى، فهناك عقوبات إدارية، وهناك خصم راتب، أو إيقاف عن العمل، أو حتى إنهاء خدمات وإبعاد، ولكن أن تتحول القصة إلى قضية وشرطة ونيابة وقضاة ومحاكم وسجن، وخسارة مالية تخسرها الدولة، جراء مشكلة صغيرة جداً، فهذا أمر غير مقبول، ويحتاج إلى إعادة نظر!

بالتأكيد لا نشجع على مثل هذا النوع من السرقات، ولست مع إطلاق سراح المتهم من دون عقوبة، فمن يسرق قلماً سيسرق ما هو أكبر في المرة المقبلة إن لم يلقَ عقابه، ولكن التوازن أيضاً مطلوب، فَلِمَ نحمّل الدولة عبئاً هي في غنى عنه، ولِمَ لا تكون هناك بدائل إدارية رادعة بدلاً من السجن، لاشك أن هناك الكثير من البدائل، والمطلوب فقط إعادة التفكير في مثل هذه القضايا، وهي بالمناسبة كثيرة جداً!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر