لحظة

لماذا نكره المعرفة؟

ياسر حارب

لأنها مُملّة، وكئيبة، ولا ندري كيف ستفيدنا.. هذا ما يعتقده كثير منا، إلى جانب أن المعرفة بالنسبة لنا تعني «الكتب» فقط، التي رُغم كونها أجمل أوعية المعرفة، إلا أن الهواتف التي نحملها في جيوبنا أكثر جاذبية وتسلية منها. ما الحل إذن؟ دعوني أخبركم كيف أشجع أبنائي على البحث والاطلاع: في بيتنا قانون واضح للأطفال إذا ما أراد أحدهم أن يشتري شيئاً، وهو أن يقوم بتلخيص محتوى فيديو قصير من «يوتيوب» ثم يعرض عليّ المُلخّص حتى يحصل على ما يريد. لكن الأمر قد لا يقف عن تلخيص فيديو واحد فقط، فأحياناً يطلب أحدهم لُعبة غالية الثمن، وعليه، حتى يحصل عليها، أن يُلخص أحياناً عشرة مقاطع فيديو! وحددتُ لهم بعض القنوات المسموح لهم التلخيص منها، وإذا شعر أحدهم بالملل من مشاهدة الفيديو، فيُمْكِنُه أن يُلخّص قصة من كتاب ما، وهذه هي الحال مع ابنتي عائشة، التي تُفضّل القصص على مشاهدة «يوتيوب».

إننا نظلم المعرفة عندما نربطها بالكتب فقط. أحد أصدقائي قضى صيفاً كاملاً في دراسة تاريخ الفلسفة، لكنه لم يقرأ كتاباً واحداً! إلا أنك إذا ما سمعته يتحدث ظننتَ أنه يحمل شهادة عُليا في الفلسفة، والسر هو: «يوتيوب»! فلقد وجد قنوات متخصصة في تعليم الفلسفة، وكان يَصِلُ الليل بالنهار، تماماً كطالب الجامعة، حتى انتهى من المنهج الذي درَسَه بطريقة مُسليّة، تُشغّل حاسّتين - بدل واحدة في حالة القراءة - وصار مُلماً بتاريخ الفلسفة. إحدى الطرق الأخرى الممتعة جداً هي الوثائقيات، وهي من هواياتي التي تحولت إلى منهج في حياتي، حيث لا أنام قبل أن أشاهد حلقة وثائقية في أحد الموضوعات التي أهتم بها. لم تعد الوثائقيات طويلة كالسابق، بل إن البرامج الجديدة لا تزيد حلقات مُعظمها عن اثنتين وعشرين دقيقة، وصارت جودتها تضاهي جودة أفلام السينما.

إن وسائل التعلم قد تطورت كثيراً، فقبل عشر سنوات كنا نظن أن الكتاب المسموع هو مستقبل الاطلاع واكتساب المعرفة، أما اليوم فإن كل شيء حولنا يدعونا للمعرفة، الهواتف الذكية، التطبيقات، الكتب الإلكترونية، مُختَصَرات الكتب المسموعة، «يوتيوب»، حتى إن هناك تطبيقاً اسمه coursera يُمكنك فيه أن تدرس أي موضوع دراسة منهجية وشبه أكاديمية، على هيئة مقاطع فيديو يضعها أساتذة الجامعات المشاركة في التطبيق مقابل مبلغ رمزي، وأحياناً من دون مقابل!

دعونا نخرج من «كلاسيكيتنا» في التعلّم، فحتى فكرة المناهج المُعدّة مسبقاً ما عادت تُستخدم في مدارس بعض الدول، كالنرويج، وصار المعلم يضع المنهج بالتعاون مع الطلبة في بداية العام الدراسي، ثم يتعلمون بمختلف الوسائل وليس بالكتب فقط. هذا لا يعني أن نُهمِلَ الكتب أو القراءة، لكنها ليست الطريقة الوحيدة ليصبح الإنسان واعياً أو حتى مثقفاً.

ملاحظة: قناتا يوتيوب اللتان ذكرتهما في أول المقال هما ColdFusion وIn a Nutshell

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر