لحظة

الجهاد.. إلى متى؟

ياسر حارب

انتشرت قبل مدة صورة في منصات التواصل الاجتماعي لقائد عثماني يصلي بجيشه ما يُسمى بـ«صلاة الفتح»، وكُتِبَ تحت الصورة: «صلاة الفتح التي لم يُصلّها المسلمون منذ 400 عام»، في إشارة إلى غزو العثمانيين للنمسا. وكانت التعليقات المكتوبة تحت الصورة مليئة بالتحسّر على حالة المسلمين الذين توقفوا عن «الفتوحات»، ورضوا «بالخنوع والمهانة» حتى وصلوا إلى حالتهم الحضارية المُزرية، كما وصفها بعض المتحسرين. وصلاة الفتح المُشار إليها فيها خلاف كثير بين العلماء، حيث قال بعضهم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما صلاها في بيت أم هانئ، بعد فتح مكة، إنما كانت صلاة ضحى، ورغم أنه صلاها ثماني ركعات، وهي زيادة في المعلوم عن صلاة الضحى، إلا أنه قد ورد عن عائشة - رضي الله عنها - في صحيح مسلم أنها وصفت صلاة النبي للضحى بقولها: «أرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ». وبعيداً عن صحة صلاة الفتح من عدمها، فإن الموضوع هنا أخطر من ذلك، وسؤالي هو: لماذا هذا الشوق للجهاد والغزوات؟ وكيف يختلف تفكير هؤلاء الشباب الذين يدرسون ويعملون ويعيشون في مجتمعات مستقرة، عن تفكير المنخرطين مع «داعش» و«القاعدة» وبقية التنظيمات الإرهابية الأخرى؟! لا تستغرب إذا اكتشفتَ أن بعض من تغنّوا بذلك الماضي التليد في تعليقاتهم تحت الصورة، ينتقدون «داعش» و«القاعدة» في تغريدات وتعليقات أخرى! كيف يستوي أن تشتاق «للقتال» وغزو الأمم الأخرى ثم تقول إن الدواعش لا يُمثلونك؟

عندما قال فضيلة الشيخ عبدالله بن بيه، قبل سنوات، بحُرمة جهاد الطلب، قام عليه بعض العلماء وكثير من الناس، وانتقدوا ذلك الرأي، فقال لهم إنه قد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ». ولقد تغير الزمان، وما عاد هناك تَدَافُعٌ حضاري بقوة السيف كما كان قديماً، حيث كانت الأمم إما أن تغزو أو تُغزى. أما اليوم فهناك اتفاقات وقوانين دولية تمنع - إلى حد بعيد - اعتداء بلد على آخر. وعليه، فإن فكرة الجهاد وتوسيع حدود الدولة الذي لم يكن محصوراً على المسلمين فقط بل امتد لكل الأمم في العصور السابقة، لم تعد صالحة اليوم، وتُعد في عرف المجتمع الدولي جريمة وليست فتحاً. هذا لا يعني أن الفتوحات الإسلامية في زمانها كانت جريمة، أبداً، فالمسلمون كانوا ضمن النظام الدولي آنذاك ويتعاطون مع الحياة والعالم بنواميس ذلك الوقت، لكنه يعني أنه لا يجوز أن نُقحم مفاهيم وقوانين العصور الماضية على حياتنا اليوم.

لهذا نحن في حاجة إلى مراجعة مفهوم الجهاد، ليس فقط في مناهجنا الدراسية، بل أيضاً في ثقافتنا الإسلامية اليوم، وعلى منابرنا وفي إعلامنا، حتى لا نظل نُتّهم بالتطرف والإرهاب، وندعي أننا لسنا إرهابيين، وإذا ما اختلينا بأنفسنا وأهلينا وهواتفنا، أخرجنا الدواعش الذين يقبعون في داخلنا، وهذا أحد أشكال النفاق في هذا الزمان.

يقول ابن رشد: «التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل».

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر