5 دقائق

الهيئات الشرعية وصناعة الاقتصاد الإسلامي

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لاتزال صناعة الاقتصاد الإسلامي تحث الخُطى نحو التمكن في الأرض ونفع الناس، لأنها الصناعة التي تنفع الناس وتمكث في الأرض، وتحمي الإنسان من محاربة الملك الديان، وها هي تنتشر في الأرض وتقبل عليها البشرية لملاءمتها لحاجاتهم، وتحقق لهم النفع والإفادة.

لاريب أن إنشاء هذه الهيئة يعتبر عملاً جباراً في صياغة التشريعات والمنتجات المالية الإسلامية.

وقد عقدت هيئة المحاسبة والمراجعة (أيوفي) مؤتمرها 25 في المدينة المنورة، برعاية أميرها الكريم، فيصل بن سلطان، وفي رحاب جامعة طيبة، الذي خصصته لمراجعة شاملة لمسيرة المصرفية الإسلامية في عقدها الأربعين، وقد كان الرعيل الأول من صُنَّاع هذه الصناعة، كالأمير محمد الفيصل وصالح كامل والحاج سعيد لوتاه، بنيابة ابنه البار صالح؛ حاضرين ومستحضرين مراحل تكوينها وتطورها ومعوقاتها واستشرافها، ولم يتورعوا عن نقدها التقويمي، وكان أبرز ما فيه أنها لم تتحول إلى استثمار حقيقي، بل بقيت في إطار المصرفية البنكية، وفي منتجات محدودة، لا تلبي طلب السوق، ولا تستوعب أبواب الاقتصاد الأخرى، ومع أهمية الاقتصاد في وضعه المصرفي وكبير نفعه، لأن مصارفه هي الوحيدة التي تماسكت وابتعدت عن عاصفة الانهيارات والأخطار التي لحقت بالبنوك التقليدية الأخيرة، عامي 2007-2008م، فحمت البلدان التي اتخذت منهجيته من كوارث الإفلاس. إلا أن الاقتصاد الإسلامي هو أشمل من ذلك وأعم، والحاجة إلى جميع جوانبه ماسة، فكان الواجب أن تتحول بنوكه إلى بنوك استثمارية، وليس لإدارة السيولة، كما ناشد بذلك الشيخ صالح كامل، الذي شكا من محاكاة النظام المصرفي التقليدي، ودعا أن يدخل في الصناعة والزراعة والبنية التحتية وغيرها، فيتحقق الاستقرار الاقتصادي والاستثمار الحقيقي للموارد التي منحها الله كل بلد، كما قال سبحانه: {وقدَّر فيها أَقْواتها}، وهو ما فطنت له دبي في توجهها الأخير، يوم أن أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، عام 2013م استراتيجية دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي، ففتح له الأبواب المختلفة - غير المصرفية وأسواق المال ـ وذلك بالتجارة الحلال، غذاءً ودواءً ولباساً وسياحةً وإعلاماً، فضلاً عن الصكوك الاستثمارية، ثم توج ذلك بإنشاء الهيئة الشرعية العليا للأعمال المالية والمصرفية بالدولة، وذلك لتضع المعايير، وتشرف على اللجان الشرعية للبنوك والمؤسسات المالية.

وبذلك يكون البناء الحقيقي للاقتصاد الإسلامي، الذي تبنته دبي لتكون عاصمة عالمية له، قد اكتمل نظامه، وتتابعت حلقاته، تشريعاً ووضعاً ماثلاً، والمعول على هذه الهيئة أن تؤطر المقاصد الشرعية للاقتصاد بأبوابه المختلفة، وذلك بوضع قوائم المنتجات ولوائحها المنظمة وتفعِّل رقابتها على البنوك والمصارف الإسلامية وهيئاتها الداخلية، حتى تسير نحو اقتصاد إسلامي حقيقي يبتعد عن الصورة وينأى بنفسه عن محاكاة النظام المصرفي التقليدي الذي يفر منه عقلاء البشر؛ حماية لأموالهم وأديانهم. ولاريب أن إنشاء هذه الهيئة يعتبر عملاً جباراً في صياغة التشريعات والمنتجات المالية الإسلامية حتى تقوم البنوك والمؤسسات بواجبها المنشود من إيجاد اقتصاد إسلامي حقيقي، وتنمية اجتماعية وبيئية وصناعية حقيقية؛ يشترك فيها رأس المال مع الجهد البشري في ضوء شرع الله تعالى، الذي وضع في الأرض ليصلح أحوال البشر، وهو ما تضمنه قرار صاحب السمو، اليوم، الذي حدد مهمة الهيئة، فنص على أن الهيئة أمامها مهمة كبرى في تطوير عمل الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية والمصرفية بالدولة، وتدعيم موقع الدولة كمركز مالي إسلامي عالمي، فنسأل الله تعالى أن يجزي سموه خير الجزاء على ما يقدمه للإسلام والمسلمين والبلاد والعباد، وأن يبارك في جهود هذه الهيئة ويعينها على أداء مهامها على الوجه المطلوب.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر