كل يوم

عربية من كوكب آخر!

سامي الريامي

لم تكن مجرد امرأة مبدعة ناجحة، ولم تكن واحدة من المؤثرين في الهندسة كعِلم صعب ودقيق، زها حديد، التي غيبها الموت وهي في قمة توهجها وإبداعها، هي مجموعة من قصص النجاح والحزن مجتمعة جنباً إلى جنب، هي رواية الصعود والمجد العربي في واقع التشرذم والرجوع إلى سنوات الجهل والتخلف.

زها حديد، تلك المهندسة المعمارية العراقية التي أبهرت العالم، وسطّرت للتاريخ واحدة من أجمل قصص النجاح التي وسعت العالم ككل، وكتبت قصة مبدعة من الشرق أذهلت بإبداعها مختلف العواصم الأوروبية، وتركت بصماتها في فن العمارة الحديثة في معظم المدن المتحضرة والمتطورة، لم تكن إلا عربية تشرّبت الإبداع منذ طفولتها في بغداد، حين كانت يوماً منارة للعِلم والثقافة والحضارة!

حصلت زها حديد على جائزة بريتزكر للعمارة (2004)، وكانت أول امرأة في العالم تتلقى هذه الجائزة الرفيعة التي تعادل الحصول على «نوبل»، بحسب المتخصصين في هذا المجال .

الشرارة الأولى التي جعلت زها حديد تهتم بالهندسة المعمارية تعود إلى طفولتها، حين كان عمرها لا يتعدى السادسة، حيث اصطحبها والداها إلى معرض خاص بـ«فرانك لويد رايت» بدار الأوبرا في بغداد، قالت زها في ما بعد، إنها انبهرت حينها بالأشكال والأشياء التي شاهدتها، حيث كان والداها شغوفين بالمعمار، ففي الخمسينات كانت بغداد موطناً للحرية الفكرية، والثراء الأدبي، والغنى الثقافي، كانت مدينة مبهرة، فهل تبقّى ما يبهر في عاصمة الرشيد اليوم؟!

رحيل زها حديد هو استكمال لرحيل جميع الأشياء العربية الجميلة، لكنها ستبقى في ذاكرة العالم، وسيخلّدها التاريخ ليس لأنها معمارية مبدعة فقط، بل لأنها مثال ونموذج للمرأة العربية، قوية الشخصية التي لا تعترف بالحدود، والتي جابت العالم عزيمة لا تنثني في السهل أو عند الجبل، فكّكت المصاعب لتصبح رائدة من رواد مدرسة معمارية قائمة الذات.. زها حديد، حقّقت الكثير من الإنجازات التي لن يمحوها الزمن، واستطاعت فرض وجودها في عالم معروف بصعوبة اختراقه حتى على الرجال، فما بالكم بامرأة من الشرق؟!

المهندسة الراحلة مثال أيضاً على الجد والاجتهاد والصبر والإخلاص، أفنت عمرها في تحصيل العلم، فمنذ طفولتها التحقت حديد بمدرسة داخلية في بغداد، ثم انتقلت إلى أخرى في سويسرا، وأكملت الدراسة الجامعية في لبنان، حيث حصلت على درجة في الرياضيات من الجامعة الأميركية ببيروت، وفي سنة 1972 التحقت حديد بالجمعية المعمارية في لندن، وهي أفضل مكان أكاديمي ليتقدم ويبرز ويتعلم أي معماري مستقلّ وطموح، وتتلمذت على يد معلمين في المعهد، من أبرز الأسماء في عالم العمارة، مثل كولهاس، الذي وصفها بأنها «كوكب يدور في مجرة وحده».

حصلت زها حديد على جائزة بريتزكر للعمارة (2004)، وكانت أول امرأة في العالم تتلقى هذه الجائزة الرفيعة التي تعادل الحصول على «نوبل»، بحسب المتخصصين في هذا المجال، لذلك ليس مستغرباً أن تحصل زها حديد على هذه المكانة، وهي التي أعادت تعريف أساليب ومنهجيات كثيرة في العمارة وبشكل جذري.

إن كان يمكن لتجربة نجاح أن تكون ملهمة بحق، فإن زها حديد من أكثر التجارب إلهاماً، ليس للمرأة العربية فقط، بل لكل النساء في العالم، فقد اقتحمت مجالاً صعباً، وكانت امرأة عربية تنافس في مجتمع أوروبي ثم عالمي، وبشروط صعبة، وبتصاميم مستفزّة وصادمة، وإن كانت زها حديد قد رحلت بجسدها، فإن أفكارها لن تغادر هذا العالم، وستبقى شاهدة ولعصور طويلة في مدن مختلفة على إبداع العقل العربي وتفوقه.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر