لحظة

العجز المُكتسَب

ياسر حارب

تجلس أحياناً مع شخص ما وكلّما اقترحتَ أو قلتَ شيئاً ردّ عليك بنبرة بطيئة قائلاً: «ما شيء فايدة، ما يبونا نستوي أحسن»، ثم يختم كلامه بالجملة الشهيرة: «بدون واسطة ما تمشي». وفي تجربة شهيرة أجريت في جامعة بنسلفينيا، عام 1967، وضع أخصائي نفسي ثلاث مجموعات من الكلاب، كل واحدة منها في صندوق وحدها، ثم أخذ يُمرّر في الصندوق الأول تياراً كهربائياً صاعقاً، لكنه وضع أيضاً قطعة صغيرة كلّما ضغط الكلاب عليها توقف الصعق. في الصندوق الثاني كان التيار يصعق الكلاب، ولكن دون أن تكون لديها وسيلة لإيقافه، وفي الصندوق الثالث لم يكن هناك صعق

بعد مدة، جمع الكلاب كلها ووضعها في صندوق واحد كبير وقسمه إلى قسمين يفصل بينهما حاجز صغير يمكن للكلاب القفز من فوقه. أجلسهم في أحد قسمي الصندوق ومرّر فيه تياراً كهربائياً، فما كان من بعض الكلاب إلا أن قفزت من فوق الحاجز إلى القسم الثاني الذي ليست به كهرباء. لكن المفاجأة كانت أن بعض الكلاب لم تتحرك من مكانها وظلت تتألم! لقد كانت كلاب المجموعة الثانية التي كانت تُصعَق - عندما كانت وحدها - دون أن يكون لديها الخيار لإيقاف الصعق. بعد تجارب عدة توصّل العلماء إلى مصطلح نفسي سمّوه «العجز المكتسَب» أي أن يتعلم الحيوان والإنسان، على حد سواء، كيف يعجز عن تغيير حاله، فيصبح العجز جزءاً من شخصيته؛ وذلك بسبب التجارب التي مر بها والبيئة التي نشأ فيها. ولاحظوا أن هذه الحالة النفسية تؤدي إلى اختلال إفراز مواد كيميائية حيوية في الجهاز العصبي، كمادة سيروتونين، التي تُسمى «هرمون السعادة»، وهي إحدى مادتين أخريين - إندروفين ودوبامين - تفرز كلها في الجسم لتمنحه شعوراً بالراحة والانتشاء، والخلل في إفرازها يؤدي إلى الاكتئاب والقلق. ولمحاولة استعادة التوازن في داخل الجسم قام علماء بقياس إفراز هذه المواد في فئران المختبرات، بعد أن وضعوها على العجلات الدائرية وأخذت تجري لبعض الوقت، فاستنتجوا أن الرياضة تعد إحدى الوسائل الطبيعية المهمة لتخليص الإنسان من اكتئابه ويأسه من الحياة.

بعض الأفكار في الحياة قد تبدو تافهة، كأن يقول لك كاتب هذا المقال: «مارس الرياضة كل يوم وستتخلص من إحباطك لعدم حصولك على وظيفة، أو لأنك لم تحقق حلمك الذي تعمل من أجله لسنوات»، أو أن يُقال لك إن اعتياد ترديد كلمات الإحباط والاستسلام ستكسبك يأساً ينعكس على أفكارك وحياتك كلها. كنتُ أظن هذا الكلام تافهاً، لكن بعد قراءة الكثير من الدراسات والتجارب العلمية، حول الجهاز العصبي خصوصاً، اكتشفتُ كم كنتُ تافهاً عندما اعتقدتُ بأن مشكلاتي تدور حولي، حتى اكتشفتُ بأنها من صنعي، وفي داخلي، ورغم أنني قد لا أستطيع حل بعضها، إلا أنه يمكنني أن أتعلم كيف أتعامل معها. يقول جلال الدين الرومي: «هناك شمعة في قلبك تنتظر أن تُضاء، وهناك فراغ في روحك ينتظر أن يُملأ.. أَعْلَمُ أنك تشعر بذلك».

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر