5 دقائق

إندونيسيا المسلمة المتسامحة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عقد مجلس حكماء المسلمين اجتماعه السابع في جاكرتا عاصمة إندونيسيا، برئاسة شيخ الأزهر وغالبية أعضائه، بدعوة من رئيس الجمهورية الإندونيسية، وقد كنا نسمع عن هذا الشعب المسلم العظيم، الأكبر عدداً سكانياً بين الدول الإسلامية، وغالب سكانه من المسلمين، حيث يشكل المسلمون أكثر من 88%، وهناك ديانات أخرى كالبوذية والهندوسية والمسيحية وغيرها، يتعايشون تعايشاً سلمياً ووطنية متساوية، وليس ذلك غريباً على هذا الشعب الذي أحب الإسلام بمجرد حسن عرضه، فدخله بقناعة وتمسك به كمنهج حياة، فأقام شعائره وعرف حدوده.

لكن الغرابة هي أنه يعيش مع الشرق الأوسط بروحه وكأنه جزء منه، مع بُعد المسافة واختلاف الأرومة، فلذلك كان وصولنا إليه كوصول الغائب المحبوب، الذي ينتظره أهله بفارغ الصبر وكمال التطلع.

• إندونيسيا كانت إلى عهد قريب تذكر على أنها أقل الدول الآسيوية حضارة وصناعة وتطوراً، لكنها اليوم فاقت كثيراً من هذه الدول تحضراً.

لقد أُعد للمجلس برنامجٌ حافل، مليء بالنفع والإفادة، والتنقل بين بعض جزره المترامية الأطراف للعطاء والإفادة، في أوساط الجامعات الإسلامية والمدارس الأزهرية، كل ذلك برغبة وكامل محبة.

والعائد للتاريخ يعلم أن هذا الشعب كان قبل دخول الإسلام بوذياً وهندوسياً أو لا دين له، فلما دخل في الإسلام رغبةً ومحبةً؛ لما رأى فيه من الفضائل والكمالات، فعلم أنه دين السعادة في الدنيا والأخرى، فتمثله سلوكاً، وطبقه واقعاً، فعاش بالإسلام ويعيش من أجله.

فقد عرفه إيماناً بالله فلم تؤثر فيه عواصف الإلحاد، وعرفه عبادة فأقام شعائره بإخلاص، وعرف الأخلاق فتمسك بها كما ينبغي أن تكون، وعرفه فعلاً للخير فأقام أنشطته المختلفة لنفع الناس، وعرفه محبة للغير فتعايش مع من يخالفه في العقيدة على مبدأ {لكم دينكم ولي دين} ومبدأ «البر والقسط» مع المخالف، وعرفه علماً فأقام صروح العلم، ونفر أبناؤه لأصقاع الأرض، ولاسيما الأزهر الشريف والحرمين الشريفين، فنهلوا منه الكثير، وعادوا هداة مهتدين، يفقهونهم ويعلمونهم شرع الله وهدي نبيه، صلى الله عليه وسلم، وعرفه حضارة فأنشأ حضارة مدنية راقية، وعرفه صناعة فأنشأ صناعة فائقة.. إلى غير ذلك مما يكثر ذكره وينفع سرده، لولا خشية الإطالة.

وأعجب ما فيه أنه وقف وقفة واحدة في وجه مَن تسلل إلى هذا البلد المسلم المسالم من دعاة الفتنة، وأراد أن يُذيقه ما أذاق بعض دول الشرق الأوسط، وذلك لأنه عرف الإسلام كمنهج حياة وليس منهج إفساد، فوأد الفتنة من نشأتها الأولى، وأعد لها عدة إن هي أطلت برأسها ثانية.

وما رأيت ولا سمعت بلداً اجتمع علماؤه بمختلف أطيافهم وأفكارهم كإندونيسيا، فقد جمعهم مجلس علماء مسلمي إندونيسيا وكأنهم أهل منهج واحد، يجتمعون على المتفق عليه، ويتحاملون في المختلف فيه.

لقد كانت إندونيسيا إلى عهد قريب تذكر على أنها أقل الدول الآسيوية حضارة وصناعة وتطوراً، لكنها اليوم فاقت كثيراً من هذه الدول تحضراً وتطوراً وأمناً واحتراماً للغير.

هذا هو الشعب الإندونيسي الذي عرف الإسلام من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريَّين، الثامن والتاسع الميلاديَّين، على يد تجار هاشميين حضرميين، مازالت أسرهم لها الصدارة في العلم، والدعوة إلى الهدى، والوزارة والوجاهة والتجارة، يحكون ماضيهم، ويطبقون منهجية الإسلام في الرحمة والتسامح وفعل الخير.

وليت أن الشعوب العربية المتصارعة أخذت منهجية هذا البلد الكبير وطبقتها في بلادها لكان ذلك خيراً لها من سفك الدماء وخراب الديار.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر