أبواب

مُسوَّدة

ريم الكمالي

كَتَبَتْ يوماً طفلة صغيرة لم تتعدَّ الثالثة عشرة من عمرها رواية خيالية أطلقت عليها «غالاغوليا»، ورغم أنها تعيش في ظل أسرة مستقرة ومشجعة، حيث لا صعوبات في حياتها، فإن الرواية تحمل الكثير من العراقيل والمشكلات المُتَخيلة، لتتحول إلى باحثة صغيرة تحاول إيجاد الحلول لتتخطى ما خلقته من مغامرات خطرة وشاقة، حتى تغير الأحوال في ما بعد مع بطلة روايتها اليتيمة، وتقودها إلى مغامرات سهلة ويسيرة دون أن تستسلم.

• فتاة سُميت على مدينتها المميزة على الدوام، مدينتها الحالمة والباهرة... واكبت الحياة ورسمتها، الطفلة التي أتت من أحلامها وخيالاتها من خلال مسودة، لتحول الحلم إلى إدراك.. فانتبهوا إلى مسودات أطفالكم.

دونت هذه الطفلة قبل ذلك بعامين في مسودتها الصغيرة كل تلك المغامرات والخيالات.. لم ترمها أو تحبسها كما يفعل البعض، بل أخرجتها وحررتها من جديد إلى الحياة بثقة، لُغةً وحَبْكَة، لتصدر روايتها «غالاغوليا» الخيالية للأطفال.

أغلبنا لديه مسودة، ليست كلها خربشات بخطوط ملتوية لا معنى لها، فبعضها بمثابة أطروحة صغيرة لا نريد الإفصاح عنها، أو نقاط تلامسنا لأننا نود الخوض فيها فكراً أو نصاً، نعرضه أولاً على أنفسنا ليصبح أكثر تماسكاً، لكن القليل من المسودات تخرج لنا بعد حين برؤى لم تكن على البال، تظهر بمثابة مستند، كما أتى في مسودة غاليليو (1564 - 1642)، الذي راقب القمر طويلاً بمنظاره وعدسته بعد أن ضاعف في تكبيرها، يرسم في مسودته ظل القمر كل يوم، دوائر بظلال مختلفة، ليشك حينها في مركزية الأرض.

غاليليو الذي قرر والده الماهر في الرياضيات يوماً ألا يدرس ابنهُ تخصصاً يوظفه من أجل المال، بل يدرس علماً يكتشف ويغير من خلاله المجتمع والعالم.

في المسودة، أو في جوانب الورق نجد الخيال المُختلق من أصل الواقع والمعرفة، رؤى إنسان، هواجسه المكتوبة.. فإذا ما تكررت الرغبة والشغف، فلابد أنها ستحقق وتنتج شيئاً معرفياً.. وكما قال الفيزيائي آينشتاين: «الخيال أهم المعرفة».

وعلى ذكر آينشتاين صاحب النظرية النسبية فإن لديه مسودة كتب فيها وهو في لحظات خيال مشرقة أثناء رحلة من رحلاته، لتصبح تلك المسودة الأولية بمثابة مخطوطة، لأنها أوصلتنا إلى حقائق لم نكن نعرفها عن ذلك الفضاء المتمدد مع الزمن، رغم أنه لم يكن راضياً عن هذا النموذج الكوني المتغير.

نعود لطفلتنا المثيرة بخيالها والباحثة دائماً عن الصعوبات، وكيف تهزمها؟ كيف تخرج من المأزق؟ كيف تبدأ من جديد؟ كيف تفكر؟ كيف تُقنع؟ كيف تخاطب الآخر؟ وكيف تمنح؟.. أسئلة كثيرة، لكنها تدور حول السؤال المفتاح، السؤال حول الطلب والحاجة.. ماذا نريد، ليصبح الجواب تلبية، إيضاحاً ونوراً.. لأحلام الشباب.

دعونا نبتعد عن العمر الذي لا يقاس بعدد سنوات المرء، ولنقترب من مغامرة بمستوى الجسارة لا المجازفة، التي حولت هذه الطفلة مخيلتها من كل ما هو متعذر إلى ممكن، أرادت أن تحقق شيئاً فغامرت بالكتابة، ليبقى اليقين فيها بداية النجاح وتحقيقاً لأحلام الآخرين بعد فرصة وإذن لا نهي أو منع.

هي دبي عبدالله بالهول.. فتاة سميت على مدينتها المميزة على الدوام، مدينتها الحالمة والباهرة، الطالبة في جامعة نيويورك بأبوظبي، وخريجة مدرسة المواكب، واكبت الحياة ورسمتها، الطفلة التي أتت من أحلامها وخيالاتها من خلال مسودة، لتحول الحلم إلى إدراك.. فانتبهوا إلى مسودات أطفالكم، واكترثوا بما تحمل من خطوط وملامح، أبصروا حتى يتحرر فينا الحب والقبول.

Reemalkamali@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها . 

 

تويتر