لحظة

مشكلات الفضاء مشكلاتنا

ياسر حارب

في اليوم الأول للقمة العالمية للحكومات، التي تختتم فعالياتها في دبي اليوم، تحدث عالم فيزياء الفضاء ومقدم البرامج الشهير نيل ديغراس تايسون عن أهمية العلوم، وكيف أن كل شيء حولنا له أصل علمي. فلو أخذنا نظام تحديد المواقع العالمي GPS لوجدنا أن معادلة آينشتاين في النسبية العامة التي وضعها قبل نحو 100 عام (1915) كانت السبب في قدرة الإنسان على إرسال أقمار اصطناعية تدور حول الكرة الأرضية في مدارات محددة. ولو شاهدتَ فيلماً قديماً أو صورة بالأبيض والأسود لجهاز راديو في بداية القرن ستجد أنه كان ضخماً بحجم الكنبة، لدرجة أنه كان يعد جزءاً من أثاث البيت، والسؤال هو: كيف تحول إلى جهاز صغير كنا نحمله في جيوبنا في الثمانينات والتسعينات؟ الجواب هو «ناسا». ففي رحلات الفضاء تعد الأوزان والأحجام من أكثر التحديات التي على علماء «ناسا» مواجهتها، فكلما زاد الوزن ازدادت كمية الوقود المحترق، وكلما زاد حجم الأشياء المحمولة في المركبات الفضائية ازدادت صعوبة تحرك رواد الفضاء في الداخل، ناهيك بحاجتهم إلى مساحات للتخزين والنوم وتثبيت أجهزة التحكم وغير ذلك. بسبب هذه التحديات، استثمرت «ناسا» ملايين الدولارات لحل مشكلات الفضاء، فانحلت مشكلات الأرض، وتحول كثير من تلك الاختراعات إلى أدوات قفزت بسببها البشرية خطوات كبيرة. خذ مثلاً علاج ضعف البصر بالليزر «الليزك»، كيف استطاع الإنسان أن يسخّر هذه التكنولوجيا التي تستخدم أيضاً في قطع المواد الصلبة، لتحسين بصره؟ الجواب هو محطة الفضاء الدولية! فعندما بدأت المحطة بالعمل قبل ثمانية عشر عاماً - يساوي حجمها حجم ملعب كرة قدم تقريباً وتدور حول الأرض على ارتفاع 400 كلم - كانت المركبات الفضائية التي ترسو على بواباتها تُوَجَّه بالليزر، ومع مرور الوقت طوّر الأطباء تلك التقنيات لعلاج العيون. لهذا، لم نسمع عن أحد عالج بصره بالليزر قبل انطلاق المحطة.

إن كل الاختراعات التي بين أيدينا اليوم كانت في يوم ما تجربة في مختبر ما، بدأت أغلبها كمعادلات رياضية تحولت مع الوقت وتراكُم الخبرات والمعارف الإنسانية إلى تقنيات تسهل حياتنا اليوم. لا توجد تقنية دون بحث علمي، وعندما نقرأ عن الميزانيات الهائلة التي تخصصها كوريا الجنوبية للأبحاث العلمية لا نستغرب أن تنتج شركات مثل سامسونغ وإل جي وغيرهما ممن يقود عالم التقنية اليوم. يقول تايسون إن من يريد الاستثمار في التكنولوجيا فعليه أن يستثمر في الأبحاث العلمية، فمن يستثمر فقط في الاختراعات الهندسية والتقنية سيظل مستهلكاً، وحده الذي يستثمر في العلوم سيقود العالم في المرحلة المقبلة. ولو بحثت عن الاختراعات والتقنيات التي أنتجتها أبحاث الفضاء لوجدت أنها في كل مكان حولك، ولذلك فإن من يقول إن الإنسان يضيع وقته وماله سدى في محاولات اكتشاف الكون والاستقرار على المريخ، نقول له إن الهدف ليس السكن في المريخ، فتعمير الأرض وحل مشكلاتها أسهل، ولكن التحديات التي ستواجهنا لاستيطان كواكب وأقمار بعيدة عنا ستدفع بالأبحاث العلمية إلى حدها الأقصى، كأن يتدرب عدّاء على الجري 40 كيلومتراً حتى يخوض سباقاً طوله 20، لا شك أنه سيصل قبل الآخرين.

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر