لحظة

إحباط «السوشيال ميديا»

ياسر حارب

في عام 2013 اختار قاموس أكسفورد كلمة «سيلفي» ككلمة العام، بعد انتشار هوس صور السيلفي بين الناس والمشاهير. واليوم تعد صور وفيديوهات السيلفي هي الخيار الأول في التصوير، أما طرق التصوير المتعارف عليها سابقاً فصارت كلاسيكية ولا تستخدم إلا قليلاً.

يقول الطبيب النفسي، ديفيد فييل، إنه منذ ظهور السيلفي صار كل اثنين من ثلاثة مرضى يزورونه يشتكون من أشكالهم، ولذلك ارتفعت أخيراً نسبة الذين يتبعون حمية غذائية ويمارسون الرياضة، لكن أيضاً كثرت عمليات التجميل بين النساء والرجال. أحد مرضى الدكتور فييل كان يقضي كل يوم قرابة 10 ساعات يصور خلالها صور سيلفي لنفسه، إلا أنه بعد التقاط مئات الصور، يفشل مع نهاية اليوم في الاقتناع بواحدة. ولشدة استياء الفتى من نفسه توقف عن الذهاب إلى المدرسة، وخسر 12 كيلوغراماً من وزنه في فترة قصيرة، ولم يخرج من البيت لستة أشهر، إلى جانب عراكه اليومي مع والديه طوال الوقت. وفي النهاية أقدم على الانتحار بسبب الإحباط واليأس اللذين تمكنا منه.. كل ذلك بسبب سيلفي!

تُرفع في كل يوم مليارا صورة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتُرسل نصف مليار تغريدة على «تويتر»، ويوضع قرابة مليار موضوع على «فيس بوك». وتُرسل 30 مليار رسالة على «واتس آب». في خضم هذا الكم الهائل من المعلومات والاتصال المستمر كيف يشعر الإنسان؟ معظم الدراسات التي قرأتها تشترك في كلمة واحدة «الإحباط»! حيث إن «السوشيال ميديا» ليست مكاناً للمعرفة، ولا للنمو الفكري، ولا للاستفادة الفنية. وربما نستفيد من بعضها قليلاً في توصيلنا لرابط مقال أو فيديو مفيد، لكن في المقابل تحولت هذه الساحات إلى أماكن للمنافسة الكاذبة، يتسابق الناس فيها على تملك أشياء لا يستطيعون تملكها في الواقع، فيتقمصون شخصيات غيرهم، ويدّعون عِلْماً يفتقرون إليه تماماً في حياتهم الحقيقية، لكنهم قادرون على الكذب والتضليل في «السوشيال ميديا».

إذا فتحت «تويتر»، أو «إنستغرام»، أو أي تطبيق في «السوشيال ميديا»، وتصفحته لعشر دقائق، فأراهنك أنك ستشعر بكثير من التفاهة والإحباط. الشعب كله يريد أن يضحك، وكأننا نشقى ليل نهار لكسب لقمة عيش حتى نحتاج إلى كل جرعات الضحكة المكثفة هذه! وكثير من الإحباط لأنك ستشاهد أجساماً تعرف تماماً أن جسمك لن يصل إليها، وسترى سيارات لن تمتلكها حتى في خيالك، نساء جميلات، رجال فاتنون، مناظر خلابة، يخوت، قصور.. وكل شيء لا يستطيع الإنسان العادي أن يمتلكه، ستجده يملأ صفحات «السوشيال ميديا». ومع مرور الوقت يصاب الإنسان بالبَلادة، يهوي إلى قعر الإحباط حتى يصطدم بقاع اليأس. لا أقول إنه سينتحر، لكن أحلامه ستفعل ذلك، ستذبل طموحاته، وسينسى أحلامه المتمحورة حول كتابة كتاب، أو المشاركة في سباق، أو تعلم عزف البيانو، أو أكل وجبة خفيفة على شاطئ البحر. متى سمعت أحداً يتحدث عن حلمه بدراسة الماجستير أو الدكتوراه لأنه يعشق تخصصه؟ متى أراك صديقٌ شيئاً صنعه بيده؟ ومتى كانت آخر مرة قضيت فيها يوماً كاملاً من دون أن يتسلل الإحباط إلى داخلك؟ ربما آن الأوان أن نترك هواتفنا جانباً ونبدأ من جديد.

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر