أبواب

الإبداع والمفاهيم الخاطئة

سلطان العميمي

لا يوجد لبوابة عالم الأدب حارس يطلب ممن يرغب في دخوله إبراز هويته أو شهادة ميلاده أو مستواه التعليمي أو منصبه أو إنجازاته أو حتى تاريخ أسرته.

الباب مفتوح للجميع، والكتابة ليست حكراً على أحد، وللفرد حرية الدخول قارئاً أو كاتباً، إلا أنه لاتزال هناك بعض المفاهيم الخاطئة لدى بعض القراء والكُتّاب حول مفاهيم الكتابة والقراءة، منها أن بعضهم لايزال يعتقد أن الإبداع يجب أن تكون بوادره في مرحلة مبكرة من حياتهم، وهذه عقدة قد يكون مردها إحساسه بالنقص أو الشعور بالشك الداخلي في أصالة كتاباته، وقد وصل الحال ببعضهم أن كتب عن نفسه أن له نصوصاً إبداعية مبكرة - سواء كانت شعرية أو نثرية - نظمها في مرحلة تعليمه الابتدائية أو الإعدادية، ثم يذكرها في أثناء الحديث عن نفسه، في عملية تدليس واضحة ومكشوفة لسيرة ذاتية مزيفة، إذ لا أسهل من تأليف مثل هذه النصوص وادعائها في مراحل متأخرة.

• لايزال بعض القرّاء والكتّاب يظنون أن الكاتب المبدع يجب أن تكون لديه طقوس خاصة أو غريبة في الكتابة، وهذا ما يعكس فهماً ساذجاً للعملية الإبداعية، فالكثير من كبار الكُتّاب لا توجد لديهم أي طقوس أو عادات خاصة بالكتابة..

ولايزال بعض القرّاء والكتّاب يظنون أن الكاتب المبدع يجب أن تكون لديه طقوس خاصة أو غريبة في الكتابة، وهذا ما يعكس فهماً ساذجاً للعملية الإبداعية، فالكثير من كبار الكُتّاب لا توجد لديهم أي طقوس أو عادات خاصة بالكتابة، وأذكر هنا ما قاله الأديب البرتغالي، جوزيه ساراماغو (نوبل 1987)، حين سئل في إحدى المقابلات عن طقوسه في الكتابة فقال: «‏أنا شخص طبيعي للغاية، لا أملك عادات غريبة، ولا أضخّم من الأمور، والأهم من ذلك، لا أتناول الكتابة بطريقة رومانتيكية، لا أتحدّث عن العذاب الذي أقاسيه في الخلق، ليس لدي خوف تجاه الصفحات الفارغة، أو حبسة الكاتب، أو جميع تلك الأمور التي نسمعها عن الكُتّاب، لا أملك أياً من تلك المشكلات، لكني أملك مشكلات مثل أي شخص يحاول إنجاز أي نوع من الأعمال، أحيانًا لا تنتهي الأعمال بالطريقة التي رغبت فيها، أو حتى لا تنتهي على الإطلاق، وعندما لا تنتهي بالجودة التي طمحت لها، فإني أرضخ إلى قبولها كما هي». (المصدر: موقع تكوين).

هكذا تحدث صاحب الرواية العبقرية «العمى»، الذي عاد إلى الكتابة وهو في أواخر الأربعينات من عمره، بعد توقفه لـ20 عاماً عن الكتابة، ظناً منه أن النجاح لن يكون حليفه، لينطلق من جديد نحو العالمية ويحصد في النهاية جائزة نوبل للأدب.

أما الأدباء الذين نقرأ أن لهم طقوساً غريباً في الكتابة، فهذا شأن خاص بهم، وليست هي المحفز لإبداعهم، بل قد ترتبط بحالات نفسية ومزاجية لديهم، ‏وقد يبالغ بعضهم في تصوير طقوسهم بصورة مضحكة، مثلما يُحكى عن الروائي الأميركي، إرنست همينغواي (نوبل 1954)، أنه «كان يعتلي سطح منزله منتعلاً حذاءً أكبر من مقاسه، وبيده أوراق وقلم رصاص ليكتب واقفاً»، خصوصاً إذا علمنا أنه قضى جزءاً كبيراً من حياته بين ساحات الحروب والمستشفيات ومباني الصحف والتنقل والسفر!

إن من يعتقد أن طريق الكتابة الإبداعية لابد أن يمر بممارسة مثل هذه الطقوس وتقليدها، مخطئ خطأً كبيراً، ويحمل فهماً ساذجاً وسطحياً لا أكثر عن حقيقة العملية الإبداعية المرتبطة بالموهبة لا بالتقليد أو الطقوس الغريبة.

buamim@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر