أبواب

«لا تردّين الرسايل»..

أحمد حسن الزعبي

لم تكن كتب الطبخ في الثمانينات من القرن الماضي، هي من يتصدر مبيعات معارض الكتب والمكتبات، كما هي الحال اليوم، وإنما روايات «أغاثا كريستي» من ناحية، وكتاب «كيف تكتب رسالة» من ناحية أخرى، أما روايات العزيزة أغاثا، فأكثر ما كان يغري المشتري باقتنائها رسمة الغلاف، التي عادة ما تكون لامرأة سافرة تضع أحمر شفاه لامعاً أو عيوناً لوزية واسعة وخادعة وكتف مكشوف، فيقع المشتري في المصيدة معتقداً أنها رواية رومانسية من الدرجة الأولى، ليكتشف أن «الدّم للرُكَب» لكثر الذبح والسلخ فيها، أما كتاب «كيف تكتب رسالة»، فقد قام المؤلف جزاه الله عنا كل خير، بتقسيم الكتاب إلى فصول، رسالة إلى صديق، رسالة إلى مغترب، رسالة إلى مديرك في العمل، رسالة إلى الحبيب.. وفي هذا الفصل تحديداً يقسمه إلى أبواب عدة، تعارف، شوق، حب من نظرة أولى، عتاب، غياب، اعتذار، قطع علاقة... وليس مستغرباً أنه كان يترك فراغات مكوّنة من نقاط «.......» ليتركك تكتب اسم الحبيبة، ونقاطاً عند ذكر العتاب، كأن يقول، صدقيني شعرت بحزن شديد عندما قلت «.......» تاركاً الموضوع دون تسميه، حتى يكتبه العاشق، ثم يستأنف، أنا جاد جدّاً بعلاقتنا، لا تتركي سفني تموج في بحر الشك، أنا وإن اتهمتني بــ«......» إلا أنني مازلت أحبك أحبك يا «.....»، ويترك فراغاً خلف كلمة اتهمتني، وبعد حرف كلمة «يا..»، ليكتب موضوع الخلاف، واسم الحبيبة صاحب العلاقة، طبعاً هذا الكتاب كان قابلاً للإعارة أو الاستعارة إلى درجة أن الفتاة نفسها كانت تستعير من حبيبها الكتاب نفسه من خلال إحدى قريباته حتى تردّ على رسالته.

• كلما سمعت محمد عبده في «لا تردّين الرسايل ويش أسوّي بالورق»، أسأل نفسي: كم دمعة صادقة سالت على هذه الأغنية؟ كم آه عابرة للمساءات أطلقت؟ كم جولة من المفاوضات الفاشلة أجريت لاسترداد الرسائل التي كانت أغلى من «الكمبيالات»؟! الآن على الهاتف بكبسة تفتح مستطيل الرسائل، وتكتب ما تشاء، وبكبسة زر تنهي العلاقة، ثم تطلب بعدها من مطاعم التوصيل «بيتزا كبير».. وأنت مرتاح الضمير!

بصراحة لست أدري من أين كان يأتي الشباب بالوقت هذا كله ليكتبوا عشر صفحات من الورق المسّطر القابل للتبييض، وفي حال تمت الخربشة على كلمة أو حدث خطأ إملائي في إحدى العبارات أو سال قلم الحبر على الحروف أكثر مما يجب، فتفشّت البقع الزرقاء على الكلمات الحساسة، أعادوا ما كتبوه من جديد، بالمناسبة كانت الرسالة تتمتع بأناقة فائقة، فقد انتشرت في السوق آنذاك دفاتر خاصة بالرسائل المرسوم في أسفلها باقة ورد أو عناق بريء لعصفورين وأحياناً كان يخطئ إخواننا في الصين، فيرسلون لمنطقتنا العربية دفاتر مرسوماً في أسفلها «سعدان» مبتسم، ومع ذلك كان يتهادى العشاق هذا النوع من الورق الناعم، ويعطّرونه قبل أن يبعثوا الرسالة بأي نوع عطر موجود في بيت العائلة حتى عبوة «بف باف»، المهم أن يشعر المتلقّي أنها من رائحة الحبيب.

كلما سمعت محمد عبده في «لا تردّين الرسايل ويش أسوي بالورق»، سألت نفسي كم دمعة صادقة سالت على هذه الأغنية؟ كم آه عابرة للمساءات أطلقت؟ كم جولة من المفاوضات الفاشلة أجريت لاسترداد الرسائل التي كانت أغلى من «الكمبيالات»، الآن على الهاتف بكبسة تفتح مستطيل الرسائل، وتكتب ما تشاء، وبكبسة زر تنهي العلاقة، وتعمل delete conversation ثم تطلب بعدها من مطاعم التوصيل «بيتزا كبير».. وأنت مرتاح الضمير!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر