أبواب

حياةٌ سبق استخدامها

محمد حسن المرزوقي

لطالما استفزّني إعلان براءة الذمّة الذي يعلقه الروائيون عادةً على «يافطات» رواياتهم للتّأكيد على أنّ:

«جميع شخصيات الرواية وأحداثها من وحي الخيال، وأنّ أي تشابه بينها وبين شخصيات حقيقية هو من قبيل المصادفة».

صحيح أنّ الروائي يخلق أبطال عالمه الروائي من العدم، ويبثّ فيهم الحياة، ثمّ يحدّد لهم مصائرهم بدقة.

• أعتقد أنه من المستحيل أن يكون الخيال وحده هو الطين الذي يغمس فيه الروائي يده ليخلق شخوص رواياته، فعقل الروائي مثل الإسفنجة، يمتصّ كثيراً من التجارب التي يجتازها، اللحظات التي يعيشها، الأشخاص الذين يعبرهم ويعبرونه، ثم يعيد خلق كل ذلك بصورة مغايرة.

لكنني أعتقد أنه من المستحيل أن يكون الخيال وحده هو الطين الذي يغمس فيه الروائي يده ليخلق شخوص رواياته، فعقل الروائي مثل الإسفنجة، يمتصّ كثيراً من التجارب التي يجتازها، اللحظات التي يعيشها، الأشخاص الذين يعبرهم ويعبرونه، ثم يعيد خلق كل ذلك بصورة مغايرة يتداخل فيها الخيالي بالواقعي، وبشكلٍ يصعب فيه الجزم بخيالية شخصيّة ما أو واقعيتها!

سيلحظ، على سبيل المثال، قارئ روايات وقصص غادة السمان بأنها تتماهى مع شخوص رواياتها بشكلٍ كبير، إلى درجة أن القارئ قد يشعر أحياناً بأنهم ليسوا سوى صور كربونية من غادة السمان نفسها، وهذا ما دفع «السمّان» - ربّما - لأن تقرّ في أحد حواراتها بأنّها موجودة في كل قصصها ورواياتها التي كتبتها.

في المقابل، لا يكتفي الروائي التركي، أورهان باموك، بالتماهي مع شخوص روايته «اسمي أحمر»، بل يختار لها أسماء مثل «أورهان» و«شوكت» و«شكورة»، التي هي في الواقع اسمه، اسم شقيقه الأكبر، واسم والدته. عن ذلك يقول «باموك» في كتابه «ألوان أخرى» إنه سرّب بعضاً من حياته في هذه الرواية، كمشاجراته التي لا تنتهي مع أخيه الأكبر «شوكت»، وتوبيخ والدتهما «شكورة» لهما، وحنوها عليهما.. وأشياء أخرى كثيرة نقلها «باموك» من الحياة.. من حياته!

أمّا الروائي البيروفي، ماريو فارغاس يوسا، فمعروف عنه أنه ينتقي شخصيّاته من الواقع ثمّ يحوّلها، بعد بحث ودراسة، إلى شخصيات روائية كما فعل مع شخصية ديكتاتور الدومينيكان «رافائيل تروخيو» في رواية «حفلة التيس»، وشخصية «روجر كيسمنت» المدافع عن حقوق السكان الأصليين في إفريقيا في رواية «حلم السلتي».

بالنسبة لـ«ماريو فارغاس يوسا»، فإنّ كل شخصية حقيقية، مثيرةٍ للجدل، لديها القابلية للتحول إلى شخصية روائية، لأن الأدب ليس سوى «كذبة تحمل في أحشائها حقيقة مخبأة».

على النّقيض من هؤلاء، تقول الأديبة الأميركية، توني موريسون، بأن جميع شخصيات رواياتها محض خيال، ولم يسبق لها أن أسّست شخصيات رواياتها على شخصيات حقيقية تعرفها، لأنّها تجد أنه من غير اللائق أن يستعير الكاتب شخصياته من الواقع، لما في ذلك من انتهاك لخصوصيات الآخرين، وتعدٍّ على حقوق ملكيتهم لحيواتهم.

حتى وإن كانت شخصيات روايات «موريسون» غير مستوحاةٍ من شخصيات حقيقية، إلا أنّها باعتناقها أفكاراً وخوضها تجارب أشخاص حقيقيين، تعثّرت بهم الكاتبة في حياتها، تجعل من السهل العثور على شخصيّات تشبهها في الواقع!

لذلك في المرة المقبلة التي تقرؤون فيها رواية ما، تذكروا أن الشخصية مهما بدت خيالية لكم، فإنها لابد أن ترتبط بشعرةٍ، بخيطٍ، أو بحبلٍ، بالواقع؛ يشتد أحياناً ويرتخي أحياناً أخرى. وتذكروا، كذلك، أن الحياة التي تعيشها الشخصية الروائية هي حياةٌ سبق استخدامها!

al-marzooqi@hotmail.com

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر