لحظة

الأفكار «الكافرة»!

ياسر حارب

أحد أهداف تلسكوب كيبلر، الذي يدور حول الكرة الأرضية، هو اكتشاف حياة أخرى في كواكب بعيدة. أطلقته «ناسا» في عام 2009 لمحاولة فهم هذا الكون الشاسع الذي يبدو أننا ــ رغم كل اكتشافاتنا ــ لا نعرف عنه سوى 5٪ فقط، كما يقول العلماء. مؤسسات أخرى تتسابق الآن لبناء مراصد عملاقة جداً في صحراء أتاكاما في تشيلي، للغوص في ظلمات الكون أكثر، ومحاولة كشف أسراره. قُلت لصديق مرة هذا الكلام فقال: «هل تقصد أن هؤلاء المجانين يبحثون عن كائنات فضائية؟»، قلتُ: نعم. ضحك، وقال إن هؤلاء «الكفار» لا يؤمنون بالآخرة، ولذلك يشغلون أنفسهم بهذه المُلهيات. قلتُ له: «هل تعلم أن عمق الكون الذي استطعنا رؤيته - حتى الآن - من خلال تلسكوب هابل الفضائي يبلغ 42 مليار سنة ضوئية؟ وبالمناسبة، فإن السنة الضوئية تساوي 9.4 تريليونات كيلومتر. وهل تعلم أن عدد النجوم في الكون أكثر من عدد حبات الرمال على كل الشواطئ؟ وهناك نظرية تقول إن كوننا هذا هو جزء من أكوان أخرى كثيرة! وحجم الأرض بالنسبة للكون كحجم حبة رمل بالنسبة لكل صحارى العالم! ومن خلال مراقبة (ناسا) لكوكب المريخ ودراسته عن قرب سنوات طويلة، اكتشفت أنه كان في يوم من الأيام مملوءاً بالمياه، وكانت أرضه خصبة. ومن خلال مراقبة ودراسة الكون، اكتشفنا أن المعادن الموجودة بداخلنا، كالحديد والزنك، موجودة أيضاً في النجوم، تشكلت فيها قبل مليارات السنين، وانتشرت في الكون بعد انفجاراتها». ثم ختمتُ كلامي: «نعم هؤلاء الكفار المجانين يعتقدون بأنه لا يُعقل أن نكون وحدنا في هذا الكون».

قرأتُ قبل مدة عن شركات «كافرة»، قامت إحداها بصناعة صواريخ تحمل الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء، وتمكنت أخيراً من إعادة أحد الصواريخ إلى الأرض، بعد إطلاق القمر في مداره حول الأرض، وتلك قفزة هائلة في علوم الفضاء. وتعمل حالياً، إلى جانب شركات أخرى، بالتعاون مع «ناسا»، على تطوير تقنيات حديثة للهبوط على سطح الكويكبات الفضائية الغنية بالمعادن الثمينة، والتنقيب بداخلها، كبديل للتنقيب في المناجم هنا على الأرض!

إن مسبار الأمل الذي تعتزم الإمارات إرساله إلى المريخ هو في حقيقته ثقافة جديدة وليس مشروعاً، ثقافة تدفعنا لنشارك العالم كشوفاته العلمية، لنحلم مثل الآخرين بمعرفة بعض أسرار الكون، لنطمح إلى أن تكون بلادنا مُصَدِّرة للعلم والمعرفة، ولكي نستمر في التساؤل والبحث عن المجهول حتى تصبح لحياتنا قيمة. نُريد أن نُمسك بالعقل العربي ونهزّه بشدة، ونقول له «استيقظ» حتى يفيق من سباته الطويل. إن الغرب لم يغزُ الفضاء لأنه كافر، بل من الكفر أن تعيش في القرن الحادي والعشرين ويكون كل همك هو نوع السيارة التي تريد شراءها، وغاية طموحك أن تكون مشهوراً في «السوشيال ميديا». يقول الحسن بن الهيثم: «آمنتُ بأني لكي أتقرب إلى الله فليس من طريقة أفضل من أن أبحث عن المعرفة والحقيقة».

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر