أبواب

يا زمن الأقلام

سلطان العميمي

في مناسبة من المناسبات، تلقيت هدية تذكارية كانت عبارة عن قلم حبر يحمل «ماركة» شهيرة، ذكّرني بمجموعة غير قليلة من الأقلام التي ماأزال أحتفظ بها منذ سنوات دون أن أجد دافعاً لاستخدامها في حياتي اليومية، إذ إني أحمل قلماً «عملياً» من النوع السائل، أستخدمه غالباً للتوقيع، ونادراً للكتابة، وقد يمضي يوم بأكمله دون أن أستخدمه.

 •كيف فقد القلم مكانته في حياتنا؟ كيف تحوّل إلى أداة قد لا نحتاجها إلا للتوقيع؟ لقد زحزحته التكنولوجيا، والاحتياجات البشرية التي اخترعته، اخترعت ما يحل محله، وصرنا نعيش حياتنا وندير أعمالنا بلا ورق نكتب عليه، بل بمباركة أجهزة «الكمبيوتر» المكتبية أو المحمولة والهواتف الذكية.

 في الماضي، كان وجود القلم في الجيب أمراً ضرورياً جداً. اليوم صار أمراً عادياً أن يحتاج أحدهم إلى تدوين معلومة أو تسجيل رقم أو توقيع ورقة فيسأل من بقربه: من عنده قلم؟

 ذاكرتي المليئة بحبر الكتابة والأقلام، تأخذني إلى بدايات تعلّمنا القراءة والكتابة في المدرسة. كان قلم الرصاص القابل للمسح هو رفيق الخطوات الأولى لتعلم الكتابة. وكانت الكتابة بقلم الحبر بداية دخولنا مرحلة جديدة في عالم الدراسة والكتابة، هو عالم أقرب إلى بدايات النضج في التعبير واستخدام هذه الأداة المهمة. كان استخدام قلم الحبر يعني أنك أمام مسؤولية أكبر في التعبير عن مخزونك العلمي والفكري، ولم يعد المجال متاحاً لمسح ما تكتبه، لكنك تستطيع شطبه، وكلما شطبت، صارت واجهة كتابتك أكثر قبحاً وتشوّهاً.

وتفنّن الإنسان عبر مختلف العصور في اختراع أنواع عديدة من الأقلام، بأشكالها وألوانها وأحجامها ومواد تصنيعها المختلفة، بدءاً من عباس بن فرناس الذي يُنسب إليه اختراع أول قلم سائل في القرن الثالث الهجري، وانتهاءً بأغلى قلم في العالم، المصنوع من الذهب الخالص، والمرصّع بـ30 قيراطاً من الألماس، وتبلغ قيمته 1.470.600 مليون دولار.

إذاً كيف فقد القلم مكانته في حياتنا؟ كيف تحول إلى أداة قد لا نحتاجها إلا للتوقيع؟

لقد زحزحته التكنولوجيا، والاحتياجات البشرية التي اخترعته، اخترعت ما يحل محله، وصرنا نعيش حياتنا وندير أعمالنا بلا ورق نكتب عليه، بل بمباركة أجهزة «الكمبيوتر» المكتبية أو المحمولة والهواتف الذكية.

وبعد أن كانت الرسائل البريدية نافذة مهمة للتواصل بين الناس في مختلف بقاع الأرض، وكانت الأوراق والأقلام والخطوط تنقل جزءاً من مشاعر البشر الذين كانوا ينتظرون لأيام وصول رسالة بخط اليد على صندوق بريدهم، أصبحت حياتنا اليوم بلا خطوط ولا أوراق، وأصبحت رسائلنا الإلكترونية باردة، رغم أن إرسالها ووصولها لا يستغرق أكثر من ثوانٍ قليلة، لكن لم يعد هناك مجال للانتظار والاشتياق والترقب وقراءة الخطوط. وأصبح هناك خط إلكتروني واحد أو عدد محصور من الخطوط الإلكترونية المتشابهة والمتداولة في أجهزتنا الإلكترونية التي تصلنا بالآخر بشكل مقولب ونمطي.

لا ننكر أن للتطور الذي حدث في وسائل التواصل في حياتنا فضلاً كبيراً في اختصار الأوقات وتوفير التكاليف والجهد واستهلاك الأوراق وقطع الأشجار، إلا أننا فقدنا جزءاً من الحميمية التي كنا نشعر بها مع الوسائل التقليدية للتواصل.

لقد تغيرت حياتنا بصورة كبيرة، وفقدنا مع تراجع دور الأقلام في حياتنا، بصمة مهمة لأصابعنا، هي بصمة الخطّ الذي تتصل بها أصابعنا اتصالاً عجيباً، واقتصر دور القلم في حياة أغلبنا على التواقيع، رغم لجوء عدد غير قليل من المؤسسات، أخيراً، إلى اعتماد التواقيع الإلكترونية في معاملاتها.


 buamim@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر