أبواب

ردّة الغرب وصحوة الشرق

محمد حسن المرزوقي

عندما تحظى رواية ما بإقبالٍ جماهيريّ لم يسبق لرواية أن حظيت به، وعندما تبلغ عدد النسخ المباعة من هذه الرّواية 750 ألف نسخة، وعندما تُترجم إلى أكثر من 40 لغة، وتحظى بأعرق الجوائز الأدبية، ويسارع المنتجون إلى تحويلها إلى عمل سينمائي، لابدّ لنا أن نتساءل عن سرّ النّجاح السّاحق لهذه الرّواية ومؤلفتها التي أصبحت بين ليلةٍ وضحاها واحدة من أهم الروائيين العالميين.

إنّها رواية لكاتبة مغمورة، أو هكذا كانت قبل إصدار هذه الرّواية، وافدة من دولة من دول الشرق الأوسط، تتأبّط رواية اختارت لها عنواناً مبتذلاً، رواية خالية من الجنس، ولا تحوي سطراً واحداً من السّياسة، ورغم ذلك، وربما بسبب ذلك، لبثت هذه الرواية، لأكثر من عام، على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً.

• قراء رواية «أربعون قاعدة للعشق» للروائية التركيّة إليف شفق، يعلمون جيّداً أن الرواية لو كانت صدرت قبل 20 أو حتى 10 أعوام لما حققت ربع هذا النجاح في أحسن الأحوال. غير أنها صدرت في لحظة مواتية وحاسمة، فكان لها هذا النجاح، الذي لو قيس بمضمون الرواية، لوجدناه مبالغاً به بعض الشيء. غير أنّ هذا هو بيت القصيد، فأن تكون الرواية متوسطة الجودة من الناحية الفنية، مقارنة بروايات المؤلفة الأخرى مثل «شرف» و«لقيطة إسطنبول»، يعني بشكلٍ جليّ أننا أمام حالة ثقافية أكثر من كونها حالة أدبيّة.

إن قراء رواية «أربعون قاعدة للعشق» للروائية التركيّة إليف شفق، يعلمون جيّداً أن الرواية لو كانت صدرت قبل 20 أو حتى 10 أعوام لما حققت ربع هذا النجاح في أحسن الأحوال. غير أنها صدرت في لحظة مواتية وحاسمة، فكان لها هذا النجاح، الذي لو قيس بمضمون الرواية، لوجدناه مبالغاً به بعض الشيء. غير أنّ هذا هو بيت القصيد، فأن تكون الرواية متوسطة الجودة من الناحية الفنية، مقارنة بروايات المؤلفة الأخرى مثل «شرف» و«لقيطة إسطنبول»، يعني بشكلٍ جليّ أننا أمام حالة ثقافية أكثر من كونها حالة أدبيّة.

الرواية، بإيجاز، ليست سوى سرد لرحلة بحث روحانيّ، استلهمتها الروائية إليف شفق من إرث مولانا جلال الدين الرومي، ونسجتها على شكل أربعين قاعدة للعشق والحب الإلهي، وصنعت منها بذلك قطعة صوفية فنية بديعة.

نجحت الرواية في الغرب، لأنها أشبعت قليلاً من الجوع الروحاني الذي تعانيه المجتمعات الغربية نتيجة لضغط النظريات المادية التي، منذ عصر التنوير، غيّرت قواعد العلاقة بين الإنسان والحياة، وانحازت للجسد على حساب الروح. لقد بدأ الغرب يشهد منذ ثمانينات القرن الماضي ردّة روحانية، تمثلت في السفر إلى أقصى الشرق بحثاً عن الخلاص الروحي في المعتقدات الشرقية كالبوذية والشنتوية والكونفوشيوسية، ويبدو أن الغرب وجد ضالته أخيراً في التراث الصوفي الإسلامي، وبالتحديد في إرث مولانا جلال الدين الرومي الذي صارت أشعاره وقصائده الأكثر قراءة في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال.

ولكن أليس في نشر الرواية في الشرق، الذي خرج مولانا جلال الدين الرومي وشمس التبريزي من رحمه أساساً، نوعٌ من بيع الماء في حارة السقّائين؟

قد يكون الأمر صحيحاً، لو لم يكن الشرق نفسه يعاني ظمأً روحانياً لم تستطع كل المدارس الدينية التي قامت واندثرت على مدى عقود من إروائه. مع أنني لست من حزب المتفائلين إلا أنني لا أستطيع أن أغضّ النظر عن تباشير وإرهاصات الصحوة الفكرية التي بدأت تجتاح، ببطء ولكن بقوة، الشرق، صحوة لا تعني سوى العودة إلى التراث وإعادة اكتشافه، صحوة تؤكّد أن الأجيال الشابة ضاقت ذرعاً بخطابات الكراهية والطائفية، وسئمت من دعوات صناعة الموت والعنف، وطفح بها الكيل من كل ما من شأنه احتقار الحياة والجمال، وتحريم الفنون وتجريم التفكير، وصارت في المقابل أكثر شوقاً وتوقاً لذرف الدموع حباً لله لا خوفاً منه.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر