لحظة

الحلّاق المُثقف!

ياسر حارب

قبل سنوات عدة ذهبتُ في زيارة عمل إلى مكتبة سنغافورة الوطنية، وصادف ذلك اليوم مناسبة جميلة اسمها «سنغافورة تقرأ». ذهبَت بنا مرافقتنا إلى أحد محال سلسلة مطاعم شهيرة. دخلنا فوجدنا مجموعة من كبار السن متحلّقين حول طاولة، وأمامهم كتابٌ كانوا يتحدثون عنه. انتهى الحوار فاتّجهنا إلى مطعم آخر من السلسلة نفسها، وكانت المفاجأة؛ وجدنا أكثر من 20 سائق تاكسي أوقفوا سياراتهم في الخارج، وجلسوا لساعة يناقشون كتاباً!

 وفي كل عام تُعلن المكتبة الوطنية يوماً للقراءة، وتُحدّد مجموعة من الكتب التي تنصح الناس بقراءتها، وتقوم بتوفيرها بلغات الشعب الأربع. ثم تُطلق المكتبة حملات «ترويجية»، بالتعاون مع أندية الكتب في المدينة ووسائل الإعلام والمطاعم والمحال والمراكز التجارية، لتشجيع الناس على قراءة تلك الكتب، والمشاركة في مناقشتها مع زملائهم في ذلك اليوم.

 وفي كثير من الولايات المتحدة وبعض المدن الأسترالية توجد مناسبة سنوية اسمها «مدينة واحدة، كتاب واحد»، حيث تختار المكتبة العامة في كل مدينة كتاباً واحداً، وتحدّد يوماً لتقوم جميع أندية الكتب والمؤسسات والشركات الخاصة والجمعيات، بتشجيع موظفيها وأعضائها على قراءة ذلك الكتاب ومناقشته في اليوم المحدّد. وقد يسأل سائل ولماذا كتاب واحد فقط؟ الهدف من ذلك هو خلق هالة من الاهتمام تدفع بالفضول إلى حدّه الأقصى، فيتساءل الناس عن ذلك الكتاب، ولماذا اختارته المكتبة، وماذا فيه، وغير ذلك من تساؤلات تشجعهم على اقتنائه وقراءته. حيث وجدوا أن اختيار كتاب واحد فقط أكثر إثارة للناس من قائمة كتب.

اليوم يجتمع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مع 100 شخصية إماراتية في «خلوة المائة» ليفكّر معهم بصوت عالٍ عن أفضل المبادرات والأفكار التي من شأنها أن تشجع الناس على القراءة، بمناسبة إعلان العام 2016 عام القراءة. رسالتي لرواد الخلوة، وللحكومة، ولكل المهتمين، هي أن مجرّد التفكير في تشجيع الناس على القراءة هو عمل نبيل؛ ولكي نحقق الهدف المطلوب نحتاج إلى الاحتفاء بالكتاب والكاتب. ورغم أن الإمارات من أكثر الدول العربية حرصاً على توفير منصات للكتاب والمثقفين، إلا أن المطلوب الآن هو أن تضع الحكومة ثقلها خلف فكرة القراءة، فتحدد يوماً سنوياً لدفع المجتمع على ذلك، ولنبدأ بكتاب واحد لكل إمارة؛ فنشجع أندية الكتب والمكتبات والمثقفين والأدباء، لا ليعقدوا مهرجاناً أو مؤتمراً في مكان مغلق ــ رغم أهمية ذلك ــ بل ليحتفوا بيوم القراءة في الأسواق والمطارات والمؤسسات الحكومية والمرافق العامة. نحتاج إلى أن يتحول الكتاب إلى حديث المجتمع والإعلام، ويُقدّم الكاتب المتميز في المناسبات العامة تماماً مثلما يُقدّم رجال السياسة والإعلام.

بالمناسبة، يوجد في سنغافورة نادي كتاب للحلاقين، وعندما سألتهم عن سبب تشجيع الحلاقين على القراءة قيل لي إن الحلاق من أكثر الناس حديثاً مع الناس، وعندما تكون ثقافته عالية، يسهم في الارتقاء بثقافة المجتمع.

 yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر