5 دقائق

عام القراءة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

كم هي عظيمة تلك المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله، لهذا العام 2016، الذي بزغ نوره اليوم، إنها مبادرة التأصيل والتنوير والتحضُّر، «عام القراءة» المبادرة التي تمشي بنسق تام مع نهج دولة الإمارات للريادة والأولية، لتأخذ بناصية التقدم وزمامه، فإن القراءة هي مفتاح كل رُقي وتقدم للإنسان والبنيان والنظام والتحضُّر، فمن لم يقرأ لا يتعلم، ومن لا يتعلم لا يمكن أن يأتي منه شيء، فالقراءة تفتح آفاق المعارف والابتكار، وتوصل إلى تجارب الآخرين، والاقتباس منها وتطبيقها، ولذلك كان ديننا الحنيف دين القراءة والعلم، فإنه جعل القراءة أول غيثه المدرار لهذه لأرض التي كانت قد أجدبت عن مطر السماء من المعارف الإلهية والأنوار النبوية.

• قراءة الجرائد والرسائل الإلكترونية وتصفّح الشبكات ليست هي القراءة المطلوبة، إنما المراد قراءة الكتب النافعة دينياً وسلوكياً وأدبياً ومعرفياً.

وحينما كان المسلمون يدركون هذا المعنى، نقلوا حضارات الأمم للأمة، ليستفيدوا منها، وطوروها بما يتفق مع مناهجنا الحنيفية، فكانت عناية الدولة العباسية بالحضارة والعلم كثيراً، فقد أنشأ أبوجعفر المنصور «بيت الحكمة» في قصر الخلافة ببغداد، وأشرف عليه بنفسه، ليكون مركزاً للترجمة إلى اللغة العربية، وأرسل إلى إمبراطور الروم يطلب منه بعض كتب اليونان، فبعث إليه بكتب في الطب والهندسة والحساب والفلك، فقام نفر من المترجمين بنقلها إلى اللغة العربية، واستمر ذلك الانفتاح في عهد الرشيد والمأمون وكل ملوك الدولة العباسية، فكانت دولة حضارة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، حتى قيل إن الأرض كانت تفاخر السماء بكثرة العلم والعلماء.

وها هم شيوخ المعرفة والتطور يريدون أن تكون الأمة أمة معرفة، فمن التوسع الكبير في معارض الكتاب، وفتح المزيد من المكتبات في كثير من الأحياء، إلى مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، بإطلاق أكبر مشروع عربي لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي، وهو «تحدي القراءة العربي»، الذي يشارك فيه أكثر من مليون طالب، بقراءة 50 مليون كتاب خلال عامهم الدراسي، إلى هذه المبادرة لصاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، التي ستجعل جهد الدولة كبيراً في القراءة هذا العام، حتى تكون جزءاً من أولوياتها الطموحة.

إن القراءة تعني الانفتاح، وتعني اقتباس تجارب الأمم، وتبنّي مهاراتها، وتعني الوصول إلى الإبداع المنشود في كل ميادين المعرفة.

نعم الأمة اليوم تقرأ، فالأمية لدينا في الإمارات خاصة شبه معدومة، ولكن ليس هذا هو المراد، فقراءة الجرائد والرسائل الإلكترونية وتصفح الشبكات ليست هي القراءة المطلوبة، لأن هذه لا تسمن ولا تغني من جوع، إنما المراد قراءة الكتب النافعة دينياً وسلوكياً وأدبياً ومعرفياً، حتى يكون القارئ فقيهاً فلا يقع في شِباك المنحرفين، ويكون صالحاً فلا يقع في طرفي الإفراط والتفريط، ويكون أديباً يكتسب الذوق ورقة الطبع، ويكون موسوعياً في المعارف التي يعيشها من العلوم المختلفة، كما كان السابقون، الذين كان الواحد منهم يضرب من كل فن بسهم، وإن تكلم قيل إنه لا يحسن فناً غيره، كما قال حسان في ابن عباس، رضي الله تعالى عنهم:

إذ قال لم يتركْ مقالاً لقائلٍ

                   بمنتظماتٍ لا ترَى بينها فصلاً

كفَى وشفَى ما في النُّفوس فلم يدعْ

                   لذي إِرْبَة في القول جدّاً ولا هزلاً.

وكم كان في الأمة من هو كذلك، وممن عرفنا من شيوخنا الكثير.

فهذه القراءة المطلوبة التي ينبغي للناس أن يعنوا بها حتى يكونوا فاعلين منوَّرين ومنوِّرين.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر