5 دقائق

السيرة النبوية وحاجة الناس إليها

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

السيرة النبوية جزء من أجزاء السنة النبوية المطهرة، فإن السنة هي أقوال النبي، صلى الله عليه وسلم، وأفعاله وتقريراته وصفاته الخُلقية، وكل ذلك يكون في سيرته المطهرة، ومنها تؤخذ الأحكام والآداب والفضائل، والمسلم معنيٌّ بها عناية كبيرة؛ لأنه مأمور باتباع الرسول المصطفى، صلى الله عليه وسلم، في كل ما يأمر وينهى ويتخلق به، وإلا كان مفرّطاً، فكم من العقائد والأحكام العملية والفضائل الخُلقية أخذت من السيرة المطهرة، فضلاً عن كونها تجعل المسلم شديد الحب والتعلق بذلك الجناب النبوي الأفخم، لأن النفس تعشق الكمال، ولن تجد كمالاً في أحد من البشر غير المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الإنسان الكامل الذي قيل فيه:

• سيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هي منهج حياة الأمة، عليها أن تعيها لتطبقها وتتأسى بها.

مكملُ الذات في خَلق وفي خُلُقٍ وفي صفات فلا تُحصى فضائلُه

وإذا كانت محبته، صلى الله عليه وسلم، شرطاً لصحة الإيمان، فإن المحبة لا تحصل إلا عن معرفة، ولا تكون معرفة عن جهالة، وبقدر ما تكون المحبة يكون الاتباع، كما أن التأسي الذي أمرنا به لا يتأتى مع معدم المعرفة.

وقد كان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شديدي الشغف بسيرته وصفاته ليتأسوا به، صلى الله عليه وسلم، كما قال الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنه، سبط رسول الله: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي، وكان وصافاً، عن حلية النبي، صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئاً أتعلق به، فذكر له شمائله حتى جعله كأنه رأي عين.

فسيدنا الحسن لما فاته شيء كثير من صفات رسول الله، لانتقاله إلى الرفيق الأعلى وهو صغير السن، لم يكن قد عقل الكثير منها، سأل من هو أحفظ لها، وهو من عاش في كنف رسول الله، إنه ربيبه هند بن مالك بن مرارة، زوج خديجة قبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سأله عن صفاته ليتعلق بها، أي ليتحلى بها، وقد كان كذلك، فكان رضي الله تعالى أشبه الناس برسول الله، خَلقاً وخُلقاً، ومن أجل ذلك تحلى بالسماحة ومحبة الأمة، حتى أنه تنازل عن الخلافة حماية للأمة من التفاني، كما تنازل جده في صلح الحديبية، حمايةً للأمة، وتعظيماً لحرم الله تعالى، ومازالت الأمة كذلك تُعنى بسيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من نبعته إلى بعثته إلى وفاته، لا يملون قراءتها وتذكرها، لاسيما في شهر مولده، لأن للمناسبة أثراً في النفوس، ولذلك تُحيي الأمم ذكرياتها في كل زمان ومكان.

سيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هي منهج حياة الأمة، عليها أن تعيها لتطبقها وتتأسى بها، كما أمر الله جل ذكره ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾[الأحزاب: 21]، فهي سر الفلاح والنجاح، وما أحوج الأمة اليوم لأن تكون متأسية برسولها المصطفى، محبةً للخلق، ورحمة للأمم، وعدلاً في الحكم، ورغبة فيما عند الله، وإكراماً للناس، وتواضعاً معهم، وحلماً على الجاهلين، وزهداً في الدنيا، وإيثاراً بها.. حتى يتعايش الناس على نحو ما تعيّشه السابقون.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر