مزاح.. ورماح

«ثقافة الحزن!»

عبدالله الشويخ

يخرج أحدنا إلى الدنيا ولم يعرف رائحة البارود، ولا ألم الجوع، ولا حزن الغربة، ولا خوف المجهول من مهده إلى لحده، ورغم هذا فتراثه الشخصي من كتابات وقصائد ومسجات يمتلئ بالحزن والشجن.. أمر غير مفهوم فعلياً! حين يريد أحد شعرائنا الكتابة، تراه يكتب عن الحبيبة الغائبة، التي لم يلتقِ بها بعد، ورغم أنك تعلم بأنه متزوج بثلاث، ويراكض بين العرب لكي يزوجوه الرابعة، وتعلم بأن لديه وظيفة جيدة، ومسكناً لائقاً، وحياة سعيدة، تسأله عن كل هذا الشجن في أشعاره، فيقول لك: لا أعرف، هناك أمرٌ ما في داخلي، أحاسيس يعني!

تمر الأيام لتلتقي بكاتب مرفّه ما بين عقاراته ومعجباته وحفلاته الليلية الصاخبة، لكنه حين يقرر الكتابة يكتب عن مأساة تبكيك! طب ليه؟! يقول لك! لا أعرف، ولكن الحزن هو ما نحتاجه فعلاً.

المشهد السينمائي والمسلسلاتي يترك آلاف المشاهد، والأمور السعيدة، والإنجازات في المجتمع، ويركز على قصة مأساوية لعائلة ما! حتى أصبحت رمضاناتنا أشهراً مخصصة للعويل واللطم وعبارة «الحقي على خالد يمه»، التي أصبحت تتكرر في كل حلقة أربع مرات، لسبب لا يعلمه إلا الله! وربما خالد!

حتى كبار السن إذا جاءهم ما يسعد، وضحكوا من أعماقهم، تسمعهم بعد «كحات» عدة يقولون: اللهم اجعله خيراً! وكأنه محكوم عليهم بمصيبة ما بعد كل فرح أو ضحك من القلب.

حتى صديقي الأحمق الذي قضى حياته كلها يطارد حلماً ما، جاءني وهو يتلفت: أنا خائف حقاً، لماذا يا صديقي؟! كل شيء في حياتي أصبح مثالياً، حققت حلمي وعملي كما أحب، وزوجتي جميلة ومخلصة، وأبنائي سعداء! ما المشكله إذاً؟ يجيبك بصراحة: كل شيء مثالي زيادة على اللزوم، أحس بمصيبة قادمة!

لا أعرف سبباً لعشق هذه الأمة للحزن، يحبون الدراما، يحب كل منهم أن يخبرك بمصائبه، وكيف فقد جدته الحنون، رغم أنه لم يكمل عامه الـ50 بعد، قبل أن يخبرك عن أبنائه الـ10، يتلذذ بسماع الأغاني العراقية، ذات رنة الحزن، وأغاني أحمد عدوية، وبكائيات محمد منير، أكثر من تلذذه بسماع أي نغمة سعيدة، أكاد أقسم بأنني أستشعر لدى البعض لذة خفية أثناء قيامه بنصب خيم العزاء في منزله لوفاة قريب له، يشعر بأنه سيكتفي من الإحساس بالحزن، ورسم تعبير المتألم الذي يحتاج إلى تعاطف المجتمع ثلاثة أيام كاملة.

المزيد من الشطة، والمزيد من الشطة، والمزيد من الشطة، ربما يمكننا وضع هذا التصرف أيضاً ضمن البكائيات العربية الكلاسيكية، كنوع آخر من المازوخية والرغبة في استشعار الألم.

الجميل أنك حين تطلب من أحد المذكورين أعلاه ربط حزام الأمان، يقول لك بصلافة: يا أخي تفاءلوا بالخير تجدوه!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر