مزاح.. ورماح

الريحة ولا العدم

أحمد حسن الزعبي

أنا لا أحتاج إلى تقويم أو روزنامة، ولا أضطر للنظر إلى أعلى شاشة الهاتف المحمول حتى أعرف التاريخ.. مجرّد أن أراقب حركة يدَي الموظّف أمام «الكاشير» أو في محطة البترول، أعرف تاريخ اليوم من الشهر.

 

بدءاً من 24 من الشهر إلى 5 من الشهر المقبل.. حركة الموظف واحدة، يُخرج المحفظة بثقة يتناول أكبر ورقة نقدية لديه، يأخذ الباقي بثقة ويعيد المحفظة إلى مكانها بقليل من الكلام.

 

من 5 الشهر إلى 15 الشهر.. تتزايد حركة الموظف أمام الكاشير، يُخرج المحفظة يتناول ورقة نقدية أصغر من المطلوب، يبحث في جيبه العلوي يُخرج الثانية يجمعهما سوية ويعطيهما للطرف الآخر، ثم يبتسم محاولاً أن يخلق حالة ودّ مع المعني.

منذ 15 الشهر لغاية 24 الشهر.. يبحث في طيات المحفظة الخفية، ثم يرميها أمامه بعدما ينزل ما بها من أوراق وبطاقات تعريفية وقصاصات تحمل أرقام هواتف عابرة.. يبحث في جيبه اليمين، ثم جيبه الشمال ثم جيبه العلوي.. يُخرج المحارم التالفة و«نكّاشات» الأسنان وغلافاً فارغاً لعلكة «الاكسترا» ومفتاح البيت والسيارة، ويزيد من حالة الاستغفار في كل حركة «أستغفر الله العظيم رب العرش العظيم».. ثم يبتسم ويعتذر ويؤكّد أنه نسي النقود في البيت وما أنساه إياها إلا الشيطان. هذه حالات الموظف الثلاث ولا رابعة لها.

***

يقولون إن السلطات الروسية أنتجت قبل فترة صابوناً له رائحة «العملة النقدية» لتحفيز مُحصّلي الضرائب على عملهم، حيث يصفونه بالشاق والممل، وقد استند الخبراء الروس إلى دراسات تفيد بأن رائحة المال محفّز قوي للإنتاجية والعمل، لذا أنتجوا صابوناً برائحة الأوراق النقدية علّها تتحسن الإيرادات. أتمنى أن تصل هذه العدوى سريعاً إلى بلادنا، فبفضل الربط الإلكتروني بين دوائر الدولة وإحكام السيطرة على دخل الإنسان «ما على قلب الضرايب شر».. كلها بخير والحمد لله.. وإنما الموظف الحكومي وموظف القطاع الخاص هو من يحتاج إلى هذه الروائح التي تذكره بـ«الحبايب» أكثر من أجهزة الدولة نفسها، كما أتمنى إنتاج أنواع عطور نقدية (رجالي وستاتي) كل حسب الفئة النقدية، خمسة، عشرة، عشرون، خمسون، إلخ... بحيث إذا طالبك أي صاحب حق.. تدعوه إلى أن يمد كفّه و«ترشّ» له بمقدار المطالبة.. فاتورة الكهرباء «خمس رشات من أم العشرة».. فاتورة الإنترنت «ثلاث رشات من أم العشرين».. إيجار البيت «زجاجة كاملة من أم الخمسين مثلاً».. وإذا ما تذمّر أو رفض أي منهم.. أقنعه أن يشمّ يده حتى يفرجها الله، ففي زمن الانحباس التجاري والعجز المالي والركود الاقتصادي تبقى.. الريحة ولا العدم.

 

 

 

 

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر