مزاح.. ورماح

النضال بالمزاد العلني..

أحمد حسن الزعبي

كان يغلب عليه البكاء عندما يرفض زملاء الدراسة اللعب معه، كان وحيداً منبوذاً يبكي ويشعر بالتهميش بينما يضحك الآخرون ويلهون ويتقاسمون السعادة في ما بينهم، تمعّن طويلاً في الوجوه، وضع مقاييس كثيرة للكراهية، ثم أدرك خلطة الإقصاء أخيراً: إنه «أسود».

 

أصر على التفوّق ليثبت أن اللون القاتم لا علاقة له بالسيادة والعبودية، فحصل على أعلى العلامات ليدخل الجامعة وليناضل من أجل التمييز العنصري، تفوقه العلمي، وتميّزه عن أقرانه لم ينسه ملايين الأطفال السود الذين سيعانون خلف أروقة المدارس ما كان يعانيه قبل عشرين عاماً، في عام 1955 بلغت ذروة التمييز في بلاده عندما رفضت سيدة سوداء أن تخلي مقعدها في الحافلة لراكب أبيض، فما كان من السائق إلا أن طلب لها أفراد الشرطة وأنزلوها من الحافلة وأجلسوا الأبيض بقوة القانون، هذه الحادثة استفزّت الشاب اليافع مارتن لوثر كينغ، وبدأ يرفع صوته ضد التمييز العنصري والمطالبة بالمساواة، مطالباً حكومة الولايات المتحدة بأن تمنح الأميركان من أصول إفريقية حق الانتخاب، وبدأت خطاباته وتظاهراته تلاقي انتشاراً وقبولاً واسعاً في وسط من يرزحون تحت التمييز العنصري، كان متأثراً بغاندي إلى حد كبير فلم يلجأ إلى العنف في رسالته، بل وجه غضبه ضد الظلم بدلاً من الكراهية، والمقاومة السلمية بدلاً من أنهار الدماء، والعصيان المدني بدلاً من الحروب، فنجحت مساعيه بتسجيل أكثر من خمسة ملايين ناخب أسود في الانتخابات الأميركية، حصل على جائزة نوبل عام 1964 للسلام، وقبل أن يشارك في إضراب جامعي النفايات عام 1968 وأثناء وقوفه على شرفة الفندق، انطلقت رصاصة من قنّاص أبيض متعصّب يُدعى «جيمس إرل راي»، فجّرت حنجرة المناضل الحقوقي وأسقطته من على الشرفة لينتهي حلم المستضعفين ويسيل صوتهم الأصدق.

هذا «الأسطورة» الذي قرأنا عنه مراراً وتكراراً، والذي شق طريق المساواة بدموعه خلف جدار المدرسة، وفي ساحات اللعب التي لن تعود، الآن تعصف الخلافات بين أبنائه حول «الميراث»، فابناه «مارتن الثالث» و«ديكستر كينغ» يريدان بيع جائزة نوبل التي حصل عليها والدهما، والممتلكات، وحتى «الإنجيل»، الذي كان يمسكه في خطاباته، ولسان حالهما يقول «بلا عنصرية.. بلا مساواة.. بلا بطيخ.. وين الفلوس»، بينما ابنته «بيرنس» ترفض البيع وتعتبر مقتنيات والدها مقدّسة، هم لا يدركون أن الرصاصة التي اخترقت حنجرة والدهم لم تكن من أجل صفقة ولا من أجل حقيبة مخدرات، هي كانت من أجل مبدأ، ولا يدركون أن التركة الحقيقية التي تركها وراءه لا يمكن أن تقسم بعملية حسابية، باختصار لأن «الحرية» لا تقسم.

**

محزن أن يوضع النضال في المزاد العلني، ومحزن أن يأتي من حملة الراية من يقلب اتجاه الراية.

يا الله! كم أخشى أن يصيبني ما أصاب الأخ مارتن لوثر كينغ – مع فارق التشبيه طبعاً – لا أخشى أن يبيع أطفالي ممتلكاتي من كتب ودروع وهدايا تذكارية وشفرات حلاقة غير مستعملة وحسب، بل أخشى أن يبيعوا مبادئي و«تلبيسة» أسناني ويشربوا بثمنها «ليمون بنعنع»!

 

 

 

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر