كل يوم

التصويت للأفضل..

سامي الريامي

كم هي معبّرة، وغزيرة المعنى، تلك الجملة التي كتبها الأخ سعيد حارب في حسابه على موقع «إنستغرام» وهو متجّه للتصويت في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، التي انتهت أمس السبت، كتب الكلمات التالية: «صوّت بضميرك لمن يستحق التصويت».

«من أعطى صوته لمن يستحق وفقاً للكفاءة والخبرة فإنه أدى مسؤوليته تجاه دولته ومجتمعه على الوجه الأكمل، ومن ذهب وصوت لقريب أو صديق، فإن مشاركته أيضاً مقبولة ومشكورة وهو أفضل بكثير ممن لم يشارك».

وسعيد حارب ليس وحده من آمن بهذا الفكر، فهناك كثير من الشباب والرجال ذهبوا هذا العام إلى المقار الانتخابية، واطلعوا على برامج المرشحين، واختاروا من اعتقدوا أنه الأصلح من دون أن تربطهم به صلة أو نسب أو صداقة أو قبيلة.

وهذه باختصار هي ثقافة الديمقراطية الحقيقية، وبدء انتشارها في مجتمعنا من خلال تجربته الحديثة مع الانتخابات يُعد من دون شك إنجازاً ثقافياً جيداً، فهذا الفكر هو وحده الذي يضمن وصول الكفاءات إلى المجلس الوطني لممارسة دورهم بالشكل المناسب والمفيد للدولة والمواطنين.

لا ننكر أبداً سيطرة القبيلة والروابط الاجتماعية على مجموعات أخرى من الناخبين، وهذا أمر طبيعي جداً، في ظل تركيبتنا الثقافية والمجتمعية والقبائلية، ولكن التدرج في التجربة الانتخابية، واتساعها بشكل متضاعف في فترة زمنية وجيزة، واعتياد الناس على ثقافة الانتخاب، ومراقبتهم لجلسات المجلس الوطني من خلال التغطيات الإعلامية، كل ذلك كفيل بتغيير الثقافات، ومع الوقت سيتكرس لدى الناخبين في جميع الهيئات الانتخابية مفهوم التصويت للأفضل وليس للأقرب.

تجربة هذا العام مميزة جداً، فأعداد من لهم حق الترشح والانتخاب كبيرة جداً، وغطت جميع الفئات العمرية في الدولة، وشاهدنا تفاعلاً مميزاً جداً من المرشحين والناخبين، وهناك حماس شديد، وتنافس مطلوب، ومشاركة فاعلة من نساء وفتيات ومن ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وهناك أجواء انتخابية بمعنى الكلمة، ما جعل التجربة الديمقراطية في الإمارات تتطور سريعاً، ومن المتوقع وصولها إلى مرحلة النضج بشكل أسرع مما كان مخططاً له.

هناك سلبيات، هذا أمر لابد منه، وهناك تجاوزات غير مقصودة من بعض المرشحين، وهي طبيعية في إطار الحماسة، وهناك ممارسات ميدانية لم تكن مقبولة، لكنها أيضاً محدودة وفي الأطر الطبيعية، وجميع ذلك بشكل عام أمر مطلوب ومقبول في التجربة الانتخابية، فلولا الخطأ لما تكرّس الصواب، ولولا وجود سلبيات، لما أمكن تحويلها إلى إيجابيات، ولولا ظهور ممارسات خاطئة لما أمكن التنبيه إلى الأخطاء وتجاوزها.

الفائز هو الوطن والمواطن، والمشاركة هي واجب وطني قبل كل شيء، ومن صوّت في الانتخابات فإنه تحمّل مسؤوليته تجاه دولته ومجتمعه في المقام الأول، فإن أعطى صوته لمن يستحق وفقاً للكفاءة والخبرة فإنه أدى مسؤوليته على الوجه الأكمل، ومن ذهب وصوت لقريب أو ولد عمّ أو صديق، فإن مشاركته أيضاً مقبولة ومشكورة وهو أفضل بكثير ممن لم يشارك.

السلبية هنا مرفوضة، وترديد كلمات من نوع «لن يُنجزوا شيئاً»، أو «لن نستفيد منهم شيئاً»، أو «المجلس الوطني جهة عاجزة عن التغيير»، جميع ذلك وغيره هو كلام مُحبط وعارٍ عن الصحة، فمن يتابع مخرجات المجلس الوطني خلال السنوات العشر الماضية على الأقل، سيرى بنفسه حجم التغيير الذي أدخله المجلس على كثير من مشاريع القوانين الاجتماعية والاقتصادية، وكانت جميعها من دون شك في مصلحة المواطنين ورفاهيتهم.

المجلس جهة اتحادية مهمة جداً، يقوم أعضاؤه بجهود جبارة في جمع المعلومات، ومناقشة مشاريع القوانين، ومتابعة مصلحة المواطنين في كل قانون، وهو جهة قادرة على التغيير الإيجابي، والحكومة لم تتعود في السنوات الماضية رفض تعديلات الأعضاء، والتجربة الديمقراطية والبرلمانية في الإمارات تسير بخطى ثابتة وواثقة بشكل يتناسب مع مجتمعنا، ولذلك كله نقول هنيئاً لمن لم يبخل بوقته وصوته وتحمل مسؤولية المشاركة في انتخابات الوطني، فهو بفعله هذا أسهم في خلق مستقبل أفضل للمجتمع والأجيال المقبلة.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر