٥ دقائق

مفهوم التزكية وأهميتها

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

التزكية لها مفهومان: أحدهما زكاء النفس بمعنى استقامتها على الدين والخُلق، والآخر تزكية لآخرين، بمعنى تعديلهم، فالمعنى الأول إن كان من الشخص نفسه فهي محل خطر؛ لأن الشارع نهى المرء أن يزكي نفسه لما يعرف فيها من نقص، فإذا زكاها لم يكن صادقاً مع نفسه، ويكون موهماً غيره بخلاف الحقيقة التي يعرفها من نفسه.

على الناس أن لا ينخدعوا بشعارات المرشحين، ولا بعواطف القرابة، أو الصداقة، بل المتعيّن عليهم أن لا يزكّوا إلا من عرفوا فيه القوة والأمانة والخبرة.

وإن كانت من غيره فذلك هو المطلوب لحاجة الناس لتزكية من يعرفونه بالاستقامة والعدالة والمروءة ظاهراً، دون باطنه وخفاياه، وقد نُهي الناس عن تزكية الباطن بل يقولون: نحسبه على خير والله حسيبه، ولا نزكيه على الله، كما وردت به السنة.

ولابد للناس من هذه التزكية لينبني عليها قبول الشاهد أو الراوي أو من يحتاج لتعديل لولاية ونحوها.

وقد شهد رجل عند عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بشهادة فقال له: «لستُ أعرفك، ولا يضرك أن لا أعرفك، ائتِ بمن يعرفك»، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، قال: «بأي شيء تعرفه؟» قال: بالعدالة والفضل، فقال: «فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟» قال: لا، قال: «فمُعاملُك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع؟» قال: لا، قال: «فرفيقك في السفر الذي يُستدل به على مكارم الأخلاق؟»، قال: لا، قال: «لستَ تعرفه»، ثم قال للرجل: «ائتِ بمن يعرفك».

فلم يرضَ عمر، رضي الله تعالى عنه، بمعرفة الظاهر المنمَّق، وإنما أراد معرفة خبير بما يرى من سلوك المرء في دينه ودنياه.

ومع ما في تزكية الغير من الخطورة بذلاً؛ لأنها قد تكون شهادة زور، فيقع الإنسان في محظور كبير لا يخفى خطره وأثره، إلا أن تركهم لها لا يقل خطراً عن بذلها، لأنه يكون من باب كتم الشهادة المنهي عنه شرعاً، لما في تركها من تضييع حقوق الناس، وقد تضيع به العدالة الاجتماعية، فكان لابد للناس من بذلها، ولكن مع وجوب تحري العدل والقسط.

نقول هذا والناس اليوم منشغلون بتزكية من رشحوا أنفسهم للمجلس الوطني ليكونوا نواب الشعب أمام الحكومة، وقد تقدم مرشحون كثر، كل رأى من نفسه القدرة على نفع الناس، وذلك خير، إلا أن الواجب أن يكون صادقاً مع نفسه ومع مزكيه، فإن الرائد لا يُكذب أهله، كما يقول المثل، وعلى الناس أن لا ينخدعوا بشعارات المرشحين، ولا بعواطف القرابة، أو الصداقة، بل المتعيّن عليهم أن لا يزكوا إلا من عرفوا فيه القوة والأمانة والخبرة؛ لأن تزكيتهم شهادة، وستكتب شهادتهم ويسألون.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر