5 دقائق

فاستبقوا الخيرات (2)

سعيد المقبالي

الإنسان خُلق ليبادر وليستبق الخير، لكن أكثر ما يمنع البعض من المبادرة للخير هو كسله، وتقلب مزاجه، وشكوكه، ونفسه المشحونة.. إننا بحاجة «لنصح هؤلاء» لإصلاح هذا الاعتلال النفسي الذي يحرمهم من المشاركة في إرساء مبادئ المبادرة وتعزيزها في المجتمع، ويتسبب في خسائر تظهر نتائجها على المدى البعيد في أخلاق وقيم أبنائنا.

وإذا عزم هؤلاء على إصلاح أي خلل يمنعهم من المبادرة لاستباق الخير فإن لديهم المنهج ولديهم الداعم والقدوة والمجتمع الذي تربى أفراده فيه على الفضيلة كقدوة، فدولتنا تستمد دستورها وقوانينها من القرآن الكريم، وسنة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، كما أسس لنا والدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أعرافاً اجتماعية قيمة للمبادرة، بناها على الدين، وعلى العمق التاريخي لعادات شعب هذه الأرض، وأخرج لنا بكل ذلك منهجاً متفرداً للمبادرة للخير والفضيلة، قدمه كدروس تربوية من الأب لأبنائه، أبناء مجتمع الإمارات، وها هم قادتنا وشيوخنا ماضون اليوم بالنهج نفسه، وأفعالهم في سباقهم للخير تعجز الألسن عن وصفها.

مبادرات شيوخنا وقادتنا لا تعد ولا تحصى، وفي كل المجالات، وعلى كل الأصعدة، داخل الدولة وخارجها، لكن المبادرة الأخيرة، بحرصهم على الوجود في كل بيت وخيمة عزاء شهيد، جعلت العالم يقف مبهوراً ومندهشاً، وغير قادر على استيعاب تلك العلاقة الخاصة جداً التي تربط الحاكم بالمحكوم في دولة الإمارات.

مشاهد صاحب الشيخ محمد بن راشد وهو يتنقل بين مواقع عزاء الشهداء في مختلف إمارات الدولة، محتضناً أبناء الشهداء ومواسياً ذويهم فرداً فرداً، هي مشاهد غير مسبوقة في بلاد العالم أجمع.. الأفعال نفسها بادر بها أخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، لكننا رأينا في زياراته إلى المصابين من جنودنا البواسل داخل المستشفيات ما لم يفعله قائد في حجمه ومكانته مع جنوده، رأيناه يقبّل رؤوس وأيادي أبنائه، ليكون الرد من جانبهم أن يطلبوا من سموه السماح لهم بالعودة إلى ساحة القتال فور إتمام علاجهم.

لا أعتقد أن هذا الطلب فاجأ الشيخ محمد بن زايد، كما أنه لم يفاجئنا نحن أبناء الإمارات، لكنه بالتأكيد فاجأ بل صدم آخرين ممن لا يعرفون قيمة ما غرسه زايد، رحمه الله، في نفوس أبناء الوطن، وهو الغرس نفسه الذي يستمر عليه «عيال زايد» وقيادة دولتنا الحكيمة.

عندما يبادر أصحاب السمو الشيوخ إلى أمر فإنهم بمبادراتهم تلك لا يبحثون عن الثناء والمديح من المجتمع، هم يريدون منا أن نحمل هذا الفكر ونسهم في ترسيخه وفي ضمان انتقاله للأجيال، لكن المؤسف إذا لم نفهم هذه السياسة، وبدلاً من دعمها نعمد إلى «كسر مياديف» الشباب المبادرين، أو حتى أحياناً نحارب مبادراتهم ونتعمد وأدها إما خوفاً منها أو غيرة وحسداً من أن ترتفع بمكانة صاحبها.

هذا الموضوع يذكّرني بشاب اشتكى لدي منذ سنوات من رئيسه في العمل، يقول إن الله سبحانه، منحه عقلاً لا يتوقف عن إنتاج أفكار ومبادرات تعود بالنفع على من حوله وعلى المجتمع ككل، وإن أول من استفاد من أفكاره تلك هو رئيسه في العمل، ما أسهم في ارتفاع شأن هذا الرئيس في المؤسسة وحصوله على ترقيات متتالية، ويواصل هذا الشاب حديثه لي ويقول كنت مستمراً في تقديم الأفكار وتحويلها لمبادرات ذات قيمة للمجتمع حتى بعد بلوغ رئيسي مناصب عليا وبقائي أنا في وظيفتي القديمة، ورغم ذلك كله فوجئت بعد فترة بأن أفكاري ومشروعاتي يتم تعطيل تنفيذها، وأحياناً نسفها من قبل رئيسي الذي تفانيت في خدمته، ويواصل: لقد أصابني الإحباط التام، ليس بسبب رفض مبادراتي، بل لأن من يرفضها هو أكثر الناس علماً بأهدافي وهو أكثر من استفاد منها.

مثل هذا النموذج يثير الخوف لدى صغار الموظفين في المؤسسة، فيحجمون حتى عن مجرد التفكير، وبالتالي ومع مرور الزمن تنتقل إليهم العدوى وتتزايد أعداد المتقاعسين عن «استباق الخيرات»، فيخسر المجتمع قيمه، وتتأثر مصالح الناس، وحقوقهم.

وأخيراً.. نهج الشيخ زايد، رحمه الله، ونهج قادتنا اليوم حول المبادرات هو أفضل منهاج نتعلم منه، لذا ليس علينا في مجال المبادرات واستباق الخير الانتظار لنرى ماذا علينا أن نعمل، فالمناهج أمامنا وعلينا فقط اتباعها.

هم علمونا المبادرة.. فلنبادر بعدهم ومعهم لهذا الوطن المعطاء.

saeed@uae.net

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر