5 دقائق

المدرس والدارس

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لاتزال العملية التربوية حجر الزاوية لبناء حضارات الأمم، ولن تزال كذلك ما بقيت الحياة المدنية الطامحة للمزيد من التمدن والحضارة، وكل أمة تريد أن تكون في الصدارة لبناء الإنسان والأوطان، فمنها مَن تُوفق، ومنها من تُخفق، ودولة الإمارات من الدول القلائل التي صحبها التوفيق لبناء الإنسان والأوطان، ولا غرابة في ذلك فإن التوفيق عزيز، لا يدركه كل متمنٍّ، ولعزته لم يذكر في القرآن إلا مرة واحدة، هي قوله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ}.

نعم، دولة الإمارات وفقت توفيقاً كبيراً في بناء الإنسان والأوطان؛ ابتداءً من حجر الزاوية «المدرس والدارس»، فقد أعدت المدرسين الأكفاء، الذين يملكون نواصي المعرفة، فبحثت عنهم بالمنقاش، وانتقتهم من خبايا الزوايا، من داخل الوطن وخارجه، ليقوموا بمهمة التدريس الشاقة الأداء، الكثيرة والكبيرة العطاء، ولم تبخل عليهم في الكثير ـ وإن كانوا يستحقون الأكثر ـ من أجل زيادة الاستقطاب، وبذل بالغ الجهد.

نعم، أعدت المدرس الكفؤ الذي لا يفتأ من تجديد مهاراته، وتحديث معلوماته، والذي يعايش الواقع ويطمح للمستقبل، والذي لا يرى أنه يعيش بوظيفته، بل يؤدي واجب الأمة عنده، ويبني حاضرها ومستقبلها، المدرس الذي يعلم أن عليه كل شيء، فهو المربي، وهو الصانع، وهو الزارع، وهو السياسي، وهو الطبيب، وهو الذَّري، وهو الفضائي.. فضلاً عن أنه أب حانٍ، وأخ ناصح، المدرس الذي يرى أنه يحمل أمانة ثقيلة سيسأل عنها إن هو فرط فيها، وسيؤجر عليها كثيراً إن هو أداها على وجهها، هذا المدرس هو الذي ظفرت به الإمارات، فلذلك هي تطمح للفضاء كما حققت الازدهار والبناء.

وهي مع ذلك تعد الدارس؛ لأنه الأرض الخصبة التي يبذر فيها النبات المثمر النافع، فهي تنشئه منذ بدء تكوينه؛ رعاية صحية، ورعاية بيئية، ورعاية أسرية.. كل ذلك تقدمة لإيجاد أرضية خصبة يمكن أن تنفع الناس، وتمكث في الأرض، حتى إذا ما دخل سور المدرسة علمت أنها قد بدأت تقطف ثمار تلك المقدمات الممهدات، حيث استطاعت إخراجه من دفء الأحضان، إلى فسيح البستان؛ ليأخذ من ثماره ما لذ وطاب من الأفنان، ويشم العصف والريحان، نعم هي لا تركن على الأبوين الحانيين في هذه المهمة الشاقة، فإن حنانهما قد يجعله سلعة بائرة، وثمرة غير ناضجة، فيكون عبئاً ثقيلاً، ولعلهما يتمنيان أن لم يلداه، هي تعلم ذلك فقامت بواجبها نحو أفلاذ الأكباد، فوفرت لهم ما تقتضيه مهمة التعليم، مما يجعله تعليماً نافعاً، بمناهج ناضجة، وإدارات كفؤة، وفصول راقية، ورعاية صحية شاملة، فلم يبقَّ بعد كل ذلك إلا الدعاء الصالح لإنجاح هذه المهمة بانية الحاضر والمستقبل.

«المدرس الذي يرى أنه يحمل أمانة ثقيلة سيُسأل عنها إن هو فرّط فيها، وسيؤجر عليها كثيراً إن هو أداها على وجهها».

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر