5 دقائق

المعلم.. قيمة تربوية وهيبة اجتماعية

سعيد المقبالي

بمناسبة دخول العام الدراسي الجديد، يشدني الشوق إلى زمان صباي وذكريات «مدارس زمان الأول، زمان الطيبين»، صحيح أنه في ذاك الزمان كانت البساطة سمة عامة لكل شيء، لكن كانت للقيم والأخلاق مساحة كبيرة من المكونات الشخصية لكل واحد فينا، وكان الخطأ الأخلاقي تجاه الأشخاص المحيطين بنا، خصوصاً المعلمين، خطيئة كبيرة، ومن يتجرأ على الإساءة إلى المعلم تلاحقه أعين اللوم في المدرسة وفي البيت وفي الحارة، ويتهم بسوء الخلق.

كان المعلم في مكانة الأب أو العم في المدرسة بالنسبة إلى الطالب، وهو شريك رئيس للأسرة في تربية الأبناء، وتهذيب سلوكهم وغرس القيم في نفوسهم.

أشتاق إلى زمان الطيبين وقيمة الأخلاق فيه، لأنني ألاحظ أننا كآباء أو أولياء أمور أو حتى مخططين لتعليم هذا الجيل، وقعنا في أخطاء تربوية، بسبب فهمنا الخاطئ للتطور والتقدم الحضاري وفكرة التغيير، وسعينا لتوظيف التكنولوجيا أو الأساليب الحديثة في التعليم مجردة من الأسس الأخلاقية في العلاقة بين الطالب والمعلم والأهل والأقطاب التربوية، ثم جربنا الكثير من الخطط التي زعزعت الثقة بين الطالب والمعلم، ثم عدنا وطالبنا بحماية الطالب، بسبب بعض حوادث الضرب في المدارس، وغفلنا عن الكثير من حقوق المعلم لا إرادياً، ودون أن نتنبه سحبنا منه الثقة بمشاركتنا تربية الأبناء.

والنتيجة أن هيبة المعلم تراجعت في مدارس أبناء هذا الجيل، واختلفت تماماً عن «مدارس الطيبين»، وأصبحنا نحن الأهل، الذين عشنا جيل «قم للمعلم وفّه التبجيلا»، في حيرة، بسبب إسرافنا في تدليل جيل اليوم، الذي لم يسمع تلك العبارة الشهيرة لأغلب الآباء في زماننا: «بس سلم عيونه عشان يشوف الدرب».

المعلم من أهم مكونات المجتمع، وشخصيته وهيبته من الأهمية أن نحيطها نحن أولاً ــ آباء وأمهات الطلبة ــ بقدسية خاصة، حتى ينتقل أثر ذلك إلى أبنائنا، ويعود إلى هذه المهنة رونقها، بحيث تجذب أبناء الوطن للانخراط فيها، وتعلو قيمتها الاجتماعية والتربوية.

وإذا تحدثت عن تقديس شخصية المعلم وتقديس التعليم، فأنا لم أبتدع هذا المطلب، فقد كان من اﻷزل سلوك الشعوب التي عرفت قيمة العلم، وهو سلوك الأنبياء والحكماء والملوك والسلاطين عبر العصور.

ولاتزال بعض الشعوب تسلك هذا المسلك ولا تفرط به، وأتذكر أنني منذ أيام تلقيت رسالة «عبر الواتس آب» تنقل خبراً من ألمانيا يقول إن القضاة وبعض كبار المسؤولين في ألمانيا طالبوا بمساواة رواتبهم وميزاتهم برواتب وميزات المعلمين، التي تعتبر الأعلى في ألمانيا، فردت عليهم المستشارة ميركل: «أيعقل أن تكونوا في منزلة واحدة مع من علموكم؟».

ربما يعلّق البعض بأن الدولة هي من يجب أن تبدأ بتحسين وضع المعلمين مادياً، ومنحهم الامتيازات، واختيارهم بشكل دقيق، ليكونوا بحجم المسؤولية، ويسهموا في عودة القدسية إلى هذه المهنة.. ونحن نقول ونشهد على ما نراه ونتابع جهوده، إن هذا ما تعكف الدولة فعلاً على تنفيذه، وإن وجدت أخطاء في التطبيق تبادر الدولة لمعالجتها دائماً وإيجاد الحلول البديلة.

ويبقى الدور الأكبر للأسرة، وإعادة بناء الشراكة التربوية مع المدرسة بشكل عام، ومع المعلم بشكل خاص، فإذا لم يعي الطالب بمساعدة أهله أهمية المعلم ومكانته، فإنه بلاشك لن يعي قيمة العلم وأهميته لمستقبله.

علينا كأولياء أمور ألا نحتج بأخطاء وزارة التربية والتعليم أو مجالس التعليم في سياساتها التي تطرحها، وألا نجعل من تلك الأخطاء شماعة نعلق عليها سوء سلوك أبنائنا تجاه المعلم، فأبناؤنا لن يتذكروا بعد سنوات أسماء مسؤولي التربية والتعليم أو خططهم وأخطائهم، وإنما ما سيبقى في أذهانهم طوال حياتهم العلم الذي اكتسبوه، وأسماء ووجوه المعلمين الذين تلقوا منهم العلوم والمعرفة، وكلنا مررنا بهذه المرحلة ونعي هذا الأمر جيداً.

أخيراً.. طموحنا، دولةً وشعباً، أن نكون من أفضل عشر دول في العالم، والتعليم هو جزء مهم من هذا الهدف، فلنتذكر بأن للمعلم في الدول المتقدمة قيمة وهيبة اجتماعية، يحترمها الطلبة وأهاليهم، فمن الأولى بنا ــ نحن شعب الإمارات ــ أن نكون أفضل من شعوب تلك الدول، ﻷننا نتخلق بخلق الإسلام، وتربينا على منهج والدنا الشيخ زايد، رحمه الله، وقادتنا الذين قدروا العلم وأهله، وأوجدوا كل السبل لتطوير مجالاته.

saeed@uae.net

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر