5 دقائق

إن الله هو المُسعِّر

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

كثر حديث الناس هذين اليومين عن قضية المشتقات النفطية، بين مؤيد ومعارض ومحايد، نظراً لما لها من أثر على دخول الناس وثرواتهم، والجميع قد غفل عن مبدأ إسلامي عظيم بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن الله هو المُسعِّر القابض الباسط الرازق»، أي أن الأمر بيد الله تعالى، فهو الذي يُرخص ويُغلي، ويعطي ويمنع، وليس للعبد إلا ما قدر الله تعالى له من قليل أو كثير، وكما قال سبحانه: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}، فالنبي صلى الله عليه وسلم يبيّن لأمته وللبشرية أن لا ينظروا إلى فعل الناس بمسألة التسعير والغلاء والرخص ونحو ذلك، بل لتكن ثقتهم برازقهم سبحانه، وذلك هو التوكل، ومن لازمه الرضا بما يجريه من أقداره في عباده، فالناس ملكه، وهو المتصرف بشؤونهم، وهذا المفهوم الإيماني غائب عن كثير من الناس، فتراهم يضجون عند الغلاء، ولا يشكرون ولا يحمدون عند الرخص، مع أن كليهما من الله قبضاً وبسطاً وعطاءً ومنعاً.

«مسائل الاقتصاد والسياسة لها رجال أَكْفَاء، فإقحام الناس أنفسهم لا ينفع بل قد يضر».

كما أن مسائل الاقتصاد والسياسة لها رجال أَكْفَاء، فإقحام الناس أنفسهم لا ينفع بل قد يضر، لأن التخصص هو سيد الموقف، فحيث إن هذه المسألة بأيدي أناس هم محل ثقة ولاة الأمر، حفظهم الله تعالى، فليثق الجميع بأن ما يتم في ذلك هو من المصلحة الموكول نظرها إلى المتخصصين الأكفاء، وقطعاً فإنهم لا يقدمون على شيء من ذلك تهوراً ولا بقصد الإضرار، بل لمصلحة عامة راجحة تنيف عن المصلحة الآنية الخاصة.

على أن النظر إلى الإيجابيات من أولويات النظر لمن أراد أن يخوض في ذلك، ومنها تقليل الاستعمال للبترول الذي كثيراً ما يُهدر من غير طائل، وإطالة أمد المركبات والطرق.

وقد يكون بالإمكان تفادي ذلك الغلاء بترشيد الاستعمال، فإن ذلك قد يوفر أكثر من نسبة الغلاء، لاسيما مع توفر الوسائل البديلة التي تحقق الوصول للمقصود في التنقلات، لاسيما لذوي الدخل المحدود، فإن الدولة أعزّها الله قد وفرت وسائل نقل فارهة من قطارات وباصات بأسعار اقتصادية مغرية جداً، فضلاً عن الوسائل الأخرى الخاصة كالدراجات الهوائية لذوي المسافات القريبة إلى الأعمال أو إلى محطات القطارات والباصات، وهي الوسيلة المفضلة لدى الشعوب المتحضرة، لما فيها من فوائد صحية وبيئية.

ومن أعجب ما يُروى في هذا السياق ما روي عن علي رضي الله عنه أن الناس شكوا إليه غلاء اللحم، فقال: أرخصوه. أي بتركه حتى يرخص، حيث يكون العرض أكثر من الطلب، وفي ذلك يقول بعض الأدباء:

وإذا غلا شيء عليَّ تركتُه فيكون أرخص ما يكون إذا غلا

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر