مزاح.. ورماح

«اضرب كمان.. عايز أتوب!»

عبدالله الشويخ

مع كل هذا العنف في كوكبنا، الذي عثرت له «ناسا»، أخيراً، مشكورة، على «ابن عم»، يبقى للشخصية العربية طابعها العنيف المحبب الذي تختص به، ويبقى «الضرب» أحد أهم أمزجة هذا الطابع العربي، فمنذ فجر اللغة والمدرّس العربي يعلّم تلاميذه في الكتاتيب أنه قد «ضربَ زيدٌ عمْراً»، على الرغم من أن القاعدة اللغوية أو النحوية لم تكن لتتأثر لو أنه «عانق زيدٌ عمراً»، أو «قبّل زيدٌ عمْراً»، أو أي شيء يغيّر علاقة زيد بعمرو الأزلية! يا أخي «رتوّت زيدٌ عمراً»، دعونا فقط نقفز كيفما كان على قضية الضرب هذه!

في إحدى جمهوريات أميركا الجنوبية في الثمانينات، ضرب رئيس جمهورية لاتينية أحد وزرائه، وحارت الآلة الإعلامية الغربية في تفسير ما حدث، إلا نحن كنا نبتسم ونحن نقرأ الاسم العربي لعائلة كل من الرئيس والوزير!

للضرب فنونه المختلفة التي تختلف بحسب أمزجة الشعوب العربية المختلفة، فصديقي النابلسي لا يستطيع أن يعدل رأسه إذا لم «يضرب» صحن كنافة على الريق! هذه الحلوى اللطيفة الرائعة التي تكمل مع غصن الزيتون والكوفية ثلاثية الصورة الذهنية عن وطن تخلى عنه كثيرون، لا يستطيع صديقي التعبير عن حبه لها إلا «بضرب» صحن منها.

صديقي الآخر القادم من بلاد النيل، يخرج كل فترة من المكتب لكي «يضرب» سيجارة، على الرغم من أنه يمسك بها بكل حنوّ، ورغم أنها الوحيدة التي يقاسمها شفتيه، وتحمر خجلاً كلما قربها إليه، لكي يصبح حبهما حريقة ينفثها في هواء ذكرياته، رغم هذه العلاقة فإنه يصر على أنه ذاهب لكي «يضرب» سيجارة، كلما خرج، أسأله وأنا أرغب في أن يغيّر المصطلح: لماذا «تضرب» سيجارة في كل مرة، ألا تغير ذات يوم؟ وأنا أقصد الفعل، فيجيبني ببراءة بني قومه: ما انته عارف يا باشا لو ضربت «بانغو» هنا تبقى مصيبة، خليني «اضربه» لما أنزل مصر! مصر يُصعد لها ولا يُنزل يا صديقي!

هناك من ربعنا من يدعوك لكي تسافر معه إلى الخارج، ها يا فلان؟ يقول لك: بنسير يومين رومانيا ولا تشيكوسلوفاكيا «نضرب» مسيار ونرد! حتى هذه اللحظات الرومانسية الجميلة، يريد البعض إقحام «الضرب» فيها إقحاماً.

أخيراً بدأتُ أتلقّى اتصالات عدة من زملاء من جنسيات عربية، يطلبون مني مساعدتهم على «ضرب» إقامة في الدولة، لأن أحداث المحيط العربي لا تطمئن، ولا سبيل للشعور بالاستقرار سوى بـ«ضرب» إقامة هنا!

انظروا إلى الناحية المشرقة..

الضرب هنا يبعث على الطمأنينة، قولوا الحمد لله!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر