5 دقائق

فلنُبقِ المجالس عامرة

خالد الكمدة

اشتقنا لك يا سعيد، وإلى قصصك العذبة وحضورك اللطيف في مجلسنا، تستمع باهتمام لكل ما يقال، وتحرص على خدمة الحضور والتعلم منهم، وتُعرفنا في جمل بسيطة واضحة بهموم جيلك، باحثاً في خبرات من سبقوك عن المشورة.. اشتقنا لك بعد أيام قليلة ودعنا وإياك معها الشهر الفضيل، وصارت أماكنكم أنت ورفاقك خالية.

ليت الشهور كلها رمضان، تمتلئ مجالسنا بشباب في عمر الورود، يمنحونها الحياة، ويجنون من ثمار خبراتنا ما هم عطشى له، يعينهم على تجاوز حياة تعقدت، ويحميهم من ممارسات غريبة هجمت وتغولت.

«ليت الشهور كلها رمضان، تمتلئ مجالسنا بشباب في عمر الورود، يمنحونها الحياة، ويجنون من ثمار خبراتنا».

أيام سريعة جداً مرت، وأحداث كثيرة صاخبة، محبة خالصة، ومشاعر صادقة، إنسانية تجلت في أسمى معانيها، كأنما مُسحت عنها شوائب الحياة، وأعيد للفطرة بريقها، هكذا كانت اجتماعاتنا في المجالس العامرة، تلاشت قضية ضعف التواصل الاجتماعي كأنها لم تكن، انصهرنا في تقاليد وطقوس الشهر، كأننا كنا دوماً فريقاً واحداً ونحن لا نجتمع غير مرات معدودة خارج رمضان.

عجيبة هي أجواء رمضان التي قدمت بغير كثير عناء حلولاً لما يؤرقنا من ضعف التواصل بين الأجيال، ومدت بلا طول انتظار جسوراً للتفاهم والتقارب، تناقلنا عبرها وبكثافة فهماً واحتراماً ومودة جعلت كهلنا يستمتع بصبحة شاب عشريني، وشابنا يأنس لحديث شيخ ستيني، وشحنت في فترة قصيرة تمسكنا بهويتنا وحرصنا على ثقافتنا ومنحت دفعة لا بأس بها من التحصين والحماية لمن ودعوا المجالس في آخر الشهر ليجربوا، وهم جيل يعشق التجربة، التسلية والفرح في المقاهي والمراكز وفي كل ما هو مفعم بالحداثة.

اشتقنا لك يا سعيد ولرفاقك الذين ضخت دماؤهم الشابة حياة جديدة في المجالس، وأعلم أن روحكم ستشتاق لها، أعلم أنكم أيضاً، وإن غاب ذلك عن وعيكم، ستفتقدون حنيناً ودفئاً وأماناً غمرتكم بها أجواء التواصل مع الأهل والأقرباء والأصدقاء والجيران، طقوس الاجتماع اليومية التي تمنح الروح سكناً بلقاء من يشبهنا في المفاهيم، من يخاف علينا ويسعى لحمايتنا، من يشاركنا بصدق الأفراح والأتراح، ويعيننا على مقارعة تحدياتنا.

مضى شهر الترابط والتواصل، وليت التواصل يبقى، ليت ما شُد من وثائق المحبة والألفة يصبح ديدننا وجزءاً أصيلاً من أيامنا وليالينا؛ ودّعتنا طقوس التراحم والتكاتف إلى حين، وليتنا نبقي منها مكنونها، وندمج في كل ساعة من حياتنا روحها وجوهرها.

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر