أبواب

المكان العربي بين التأنيث والتذكير!

خليل قنديل

مازال العربي، وبسبب فقر الحادثة الذاتية اليومية، حين تقبل عليه وتراه جالساً أمام بوابة داره، وتسأله بعفوية دارجة عن الذي يفعله فيقول لك: «أنا جالس»، وذلك على اعتبار أن جلوسه يعد حادثة تستحق الإشارة والتنويه، مع أنه على الأغلب تعرض إلى القمع والطرد من «أم الأولاد». وأن المكان الذي تسلط عليه منذ إطلالة الفجر يحتفي بحضوره صباحاً مساءً، وأن ثمة رغبة مبيتة عند العربي في تصغير المكان بالذهاب نحو تأنيثه!

«في عودة بسيطة إلى منتجنا الشعري سنلاحظ الإصرار العجيب على تأنيث الوطن باعتباره المعادل الموضوعي للمرأة».


«المطلوب من الحركة النقدية العربية إعادة قراءة المرأة في منتوجنا الإبداعي».

وهذا المثال البسيط يحيلنا إلى ضرورة مراجعة تلك العلاقة بين مشاعرنا والمكان الذي يحيط بنا ويحتفي بنا، وإلى محاولة فك طلسم العلاقة بيننا وبين الأمكنة ومحاولة إيجاد تعريف لمثل هذه العلاقة.

واللافت في مثل هذه العلاقة هو الرغبة الملّحة عند العربي عموماً في تأنيث المكان، وطرد أي صيغة ذكورية يمكن أن يُعرف بها المكان. كنّا نفعل هذا ونحن نعلم أن أبوظبي هو اسم لمكان ذكري، وأنا مازلت أذكر ونحن نقيم في أبوظبي كيف كنّا نؤنث المكان الظبياني، ونربطه بتاء التأنيث كي يستوي الأمر في النهاية لمصلحة التأنيث. وقد لاحظت تلك الرغبة التي يعلن من خلالها الكاتب العربي العمل على تأنيث المكان في حالة نطقه أو التعبير عنه. ولهذا وبقليل من التدقيق يمكن ملاحظة رغبتنا الحميمة دائماً في تأنيث المكان!

من هنا يمكن الجزم بالرغبة العجيبة عند العربي في تأنيث المكان، على الرغم من هيبته الذكورية الكاملة! وفي عودة بسيطة إلى منتجنا الشعري سنلاحظ الإصرار العجيب على تأنيث الوطن باعتباره المعادل الموضوعي للمرأة؛ فقد قام الشاعر العربي تحديداً بتعميم المعنى الأنثوي كي يتلبس فكرة الوطن الذي صار اسمه «البلاد». ونحن نعلم أن حالة الفقر الوجداني عند الشاعر العربي على صعيد امتلاك الأنثى قد راكم تاريخياً طبقات كثيرة يصعب التعامل معها!

نقول هذا ونحن نعلم حجم الإرث الكتابي العربي، الذي استفاد كثيراً من غياب الرصد النقدي المواظب لمثل هذه الهفوات، التي لا ترتبط بمستوى الفن الكتابي، بقدر ما ترتبط بالفكر الإبداعي المولد لمثل هذه الظواهر!

وعليه نبني ونقول إن الوازع التشييدي للقصيدة العربية من مرحلة السبعينات وحتى يومنا هذا قد قام بالخلط بين قناعاتنا الاجتماعية، والتشييد الشعري المكون لشخصيات أنثوية وذكورية احتلت نطقنا الشعري. وأن نطقنا الشعري في التعبير عن المرأة قد احتمل الكثير الكثير من الختل! وأننا قمنا وفي لحظة انفعال قرائي - إن جاز التعبير - بصيغة المرأة في قصائدنا، تلك الصيغة القائمة أساساً على القمع الذكوري للمرأة، ومحاولة صياغتها بنوع من القمع الذي يشبه ذلك القمع الذي تتعرض له الأنثى في واقعنا!

إن المطلوب من الحركة النقدية العربية إعادة قراءة المرأة في منتوجنا الإبداعي كي نقوى على الفصل بين تلك المرأة الحبرية التي شيدناها من عقدنا وقراءاتنا، وتلك المرأة التي شوهناها بعقدنا وبإسقاطاتنا التي لا ترحم!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر