مزاح.. ورماح

«فش سمك كول فحم!!»

عبدالله الشويخ

الحوارات الرمضانية، مهما حاولت فيها الابتعاد عن المطبخ، فإنها يجب أن تدور في فلك «الأكل»؛ حتى لو كان بمفهومه السلبي! في شقة الحرية يجلس العزّاب - وما أدراك ما جلسة العزاب في شقة الحرية - يتحدث صديقي وهو بوزاره وفانيلته عن المجد الذي ينوي الوصول إليه، تتبعثر لديك الصورة الذهنية بين ما يقوله وما تراه.. يردد بيتاً لأحدهم: لا تحسب المجد (تمراً) أنت آكله.. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا! تُبين له أن العرب أرادت أن تقول بأسلوب مؤدب: أنه لن يفلح حتى يأكل (...)! يقسم آخر بأن الشاعر كان صائماً، لأن التمر مؤجل إلى موعد معلوم!

وهكذا تعود دورة الحوار إلى المطعم الذي سنفطر فيه اليوم.. الإيقاع السياسي على حياتنا الأكولية أصبح واضحاً.. أحدهم يرفض تناول «الجلو كبابي» ومشتقاته، لأنه لا يثق بالدولة المصدرة، ولا يريد دعمها، والآخر يطلب منا التأكد من ميول أي صاحب مندي مشكوك في انتمائه، وفي احتمالية استخدامه لتيوس مستوطنة في مناطق تتبع الحوثيين، وبالمثل فهناك دعوات لمقاطعة الأكل السوري واللبناني والعراقي والتركي، لعدم توافق مواقفنا السياسية معها.. تنحصر الخيارات في المنسف والطاجين، بينما يتمتم أحدنا في الزاوية بأن يديم الله التوافق السياسي والعلاقات الطيبة مع الهند؛ لأنه لا يستغني عن البرياني! وحده المسخن يثير الحيرة هل زيته من «زتونات أبوالعبد» أم من «زتونات أبوفادي»!

ويستمر الحوار إلى أن ينهيه أحد الأذكياء باختيار وجهة مطعم جالية عربية، ويقول كلمة السر: «وعلى حسابي»، وعندها يصمت جميع المخالفين.. فطرة بشرية لا تتغير! أعطهم مصالح وقتية سيغير الجميع مواقفه السياسية!

في مطعم تلك الجالية، التي تحولت أرض بلادها هناك إلى ساحة حرب حقيقية ملعونة، الجميع يحارب فيها الجميع، كل الطوائف وكل المشارب وكل الأديان يحارب بعضها بعضاً.. هنا في مطاعمهم وأنديتهم الاجتماعية يذوبون جميعاً تحت علم بلدهم الواحد، يأكلون من طيبات مائدتهم المميزة التي يجتمعون على حبها، يستمعون إلى الألحان ذاتها التي تطرب لها آذانهم جميعاً، تتحول هنا في المطعم اختلافاتهم المناطقية إلى أداة لإثراء المائدة والفلكلور وتنوع الألحان، فيشكلون معاً طيفاً جميلاً يجعلك تتحسر على أيام مجد بلادهم!

تتشجع فتسألهم عن سر المحبة والتناغم هنا، والتناحر والتذابح هناك، ما الذي يتغير في الصورة بين هنا وهناك؟ فيقولون كلاماً كثيراً مفاده أن بيئة الإمارات تخرج أفضل ما فيك، بينما بيئات الحروب تخرج أسوأ ما فيك، الحل هو أن يستنسخوا هذه البيئة هناك، لا أن نسمح باستنساخ بيئاتهم هنا!

تنتهي الوليمة وفي القلب فائدة، مهما اشتكينا من بعض الإجراءات أو بعض التغييرات؛ فلنحمد الله على نعمة أصبحت شحيحة على معظم الموائد العربية.. الأمن والأمان!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر