حكمة مُحَكِّم

الشقاق ابن شرعي للكيل بمكيالين، ورؤية الأمور من الزاوية التي تعجبنا أو تناسب موقعنا لن تثمر أبداً نظرة شاملة أو صورة واضحة، ولن تجلب العدل؛ أضف إلى ذلك، فإن استغراقنا في تفاصيل اللحظة وتجاهلنا للآتي والقادم، لن يبقي نشوة الفرح على طاولتنا إلى أمد بعيد، إن نحن لم نلق نظرة في غمرة فرحنا بإثبات رأي أو تحقيق إرادة بمآلات هذا الرأي، وبما سيحمله لنا اليوم التالي للفرح.

وعندما يكون الحديث عن المجتمع والأسرة والعلاقات الإنسانية، تصبح هذه القواعد ذهبية، فكما أنك اليوم أب لابنة، تفاخر بتميزها، وتتعالى على خطابها، تزدري هذا، وترفض ذاك، فأنت أب لشاب، سيتجرع الكأس نفسه من قرينك على ضفة أخرى، إن لم يكن اليوم فغداً، وكل آت قريب.

في عصر تباينت فيه المقاييس، وضُيّعت فيه معايير الصواب والخطأ، لم نعد ننظر إلى أبعد من أنوفنا وقت إطلاق القرارات، المهم أن ننتصر، وأن ينفذ رأينا، حتى وإن انقلبت الأمور فوق رؤوسنا.

قضية مهمة وحساسة، كاختيار شاب كفء لابنتك، لم تعد تستند بحال من الأحوال إلى مبدأ «من ترضون دينه وخلقه»، فصار رفض الشاب لأسباب لا يعلمها إلا رجل بصفة «أب» ــ ويرفض مناقشتها ــ أمراً شائعاً، بل وتعداه إلى الرفض بعد القبول، أو طلب الطلاق بعد زواج قصير، بغير مبالاة بمشاعر الآخر، ودون أدنى تقدير لأثر القرارات الأبوية الطائشة في استقرار المجتمع. تدخّل الأهل في قرارات الزواج وفي إصلاحها واستمرارها وجد ليكون حكيماً، لا عبثياً، ففتياتنا المثقفات قادرات على وزن الكثير من الأمور، وما يحتجنه هو حكمة السنين، وهدوء تفرضه رزانة التجارب، رأي الأب أو الأم في استمرار علاقة خطبة أو زواج يجب أن يأتي ليحكم أواصرها، ويسد ثغراتها، لا لينسفها، ويكسر قلوباً، ويحطم أفئدة، بغير حكمة، ودون إنصاف. أن تكون أباً فأنت رب أسرة، وزعيم لبنة من لبنات المجتمع، ورب الأسرة سائسها وقائدها، وإن مالت خطواته عن الصواب، لن تصل رعيته إلى وجهات سليمة، ولا إلى قرارات سديدة، وستتخلخل في جدار المجتمع لبنة، وتحدث به صدعاً. أن تكون أباً محباً وحنوناً لا يعني أن تبالغ في تدليل أبنائك حتى يفرحوا ويحبوك، ثم يضيع مستقبلهم، ويسوء غدهم. أن تكون أباً صلباً ومحترماً، لا يعني أن تكون قراراتك مستبدة وعنيدة، وغير قابلة للمراجعة، وليست موضع نقاش. أن تكون أباً فهذا تكليف، يحتاج إلى قدر كبير من التوازن والحكمة.

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .