5 دقائق

أطباء القلوب

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لم يدر بخَلَد أحدٍ منا، ونحن في ضيافة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، للقائه وتناول الإفطار في قصره على مائدته؛ أن يمر سموه على ضيوفه واحداً واحداً مسلماً عليهم بوجه صبيح وقول مليح، ثم يخاطب الجميع بقوله: دينُنا دين السماحة فبينوها للناس، وأنتم أطباء القلوب والعقول..

«إن الفتنة التي تنشأ عن انحراف فكر يصعب سدها إلا بفكر ثاقب وحجة قاهرة».

لا جرم أنه إكرام بالغ وكلمات نيِّرة من سموه، تلقاها ضيوف رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، حفظه الله تعالى، وضيوف سموه من أهل العلم الذين علموا أن من ولاة الأمر من يعرف فضلهم ويقدر لهم قدرهم، فعبِّر بعضهم بلسانه شاكراً، وعبَّر الكل بقلوبهم المُحبة وجوارحهم المكْبرة، فأكدوا له أن ما قاله هو الإسلام الذي يعملون على شرحه وبيانه للناس، المنقول بالتواتر النقلي والعملي، وأن ما يعكر صفوه مما يجري من شُذاذ الآفاق وأدعياء التدين ليس إسلاماً معروفاً، بل هو أمر نُكْرٌ لدى كل عاقل وناقل لصحيحه ومنهجه،

ومع ذلك فإنهم لا يرون أنهم قد أدوا واجبهم ما دام أن من بين أهل الإسلام من يجهله، لكن لا يتأتى لهم ذلك إلا بدعم الساسة الذين يمكِّنون لأهل العلم الربانيين حتى يؤدوا ما يجب عليهم مما أخذ الله عليهم العهد ببيانه للناس، ولا يمكن أن يبلِّغوا رسالات الله تعالى إلا بمثل هذا التأييد والتوجيه النابع من حرص ولاة أمرنا على الأمة الإسلامية؛ لعلمهم بأن الإسلام سلام ومحبة ووئام، وتعاون بين الأنام، كما قال سموه، حفظه الله تعالى.

لقد أصيبت الأمة الإسلامية بفواقر الفجائع في كثير من البلاد التي سمحت للاختلاف أن يكون سبباً للاحتراب، وسمحت لأهل السوء أن يصولوا ويجولوا، ثم يخرجون على أهليهم وبلدانهم بالسلاح والدمار، ويُحلِّوا بأقوامهم البوار، وقد بدأت تلك الفواقر الدواهي صغيرة، ثم لم تبرح حتى اتسع الخرق على الراقع، ولم يعد بإمكان أحد أن يطفئ نار الفتن ويعيد الأمن إلى ربوع الوطن.

إن الفتنة التي تنشأ عن انحراف فكر يصعب سدها إلا بفكر ثاقب وحجة قاهرة، تجعل من يسمعها خاضعاً بعنقه قبل قلبه، وعافّاً عن دم أخيه المسلم أو الإنسان بيده قبل لسانه، والمتعين على أهل الرُّشد والرشاد أن يعالجوا تلك الفتن ببيان أن الإسلام يتسع لكل فرقة تنطق بالشهادة وتقبل ركائزه وتؤديها، فالاختلاف سبب للثراء الفكري، وهو رحمة للأمة وليس دماراً لها، ومازالت الأمة بفرقها 73 من يوم نشأته وهي تتحامل وتتعامل ولا تتقاتل، فما يسعها اليوم إلا ما وسعها بالأمس، وبيان ذلك في ذمة العلماء والحكماء.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر