كل يوم

الإنسانية في شكل رجُل

سامي الريامي

صُدم رجل باكستاني فقير في إحدى القرى الباكستانية الفقيرة، عندما عرف من الطبيبة أن طفله مصاب بمرض شلل الأطفال، وأنه لن يتمكن من الوقوف والمشي على رجليه كغيره من الأطفال، لم يتمكن الرجل من إيقاف انهمار دموعه، ووصف الخبر المفجع بكلمات بسيطة تعبّر عن حجم مأساته، فقال: «كنت أتمنى أن يكبُر ابني ويتعلم ليُصبح حاله أفضل من حالي، لكنه الآن لن يفلح إلا أن يكون شحاتاً في هذا البلد الفقير».

معاناة صعبة، لا يمكن تخيل حجمها، فاقة وفقر مدقع، صعوبة في توفير أساسيات الحياة ومتطلبات العيش، جهل شديد، ويرافق كل ذلك طفل أو طفلة لا تستطيع الحركة، كيف يمكن أن تحتمل عائلة فقيرة في قرية فقيرة تعيش وسط الجبال أو المناطق الوعرة، في شبه بيوتٍ لا تكاد تستر أصحابها؟!

مئات الأطفال وجدوا طوق النجاة الذي أعطاهم إياه رجلٌ واحد تحمّل المسؤولية.

هذا هو باختصار وضع الملايين في باكستان، ومع ذلك لابد من بصيص أمل في نهاية النفق المظلم، والأمل هنا تلخص في دولة ورجل، دولة حضارية راقية اسمها دولة الإمارات، لم تصمُت إزاء ما يعانيه الأطفال في تلك المناطق الفقيرة، حيث تُسجل منظمة الصحة العالمية أعلى نسبة وعدداً من المصابين بشلل الأطفال في العالم، ورجلٌ اسمه محمد بن زايد، قدّم للعالم ولباكستان خدمة صحية وإنسانية لا نظير لها، من دون مقابل، ومن دون هدف سوى ضمان وقوف الأطفال على أرجلهم، من خلال تنفيذ خطة محكمة لاستئصال ذلك المرض من آخر معاقله في العالم.

صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، قدّم في وقت سابق 440 مليون درهم (120 مليون دولار أميركي)، مساهمة من سموّه في دعم الجهود العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال بحلول عام 2018، مع التركيز بشكل خاص على باكستان وأفغانستان.

وتُعد هذه هي المساهمة الثانية التي يقدمها محمد بن زايد، لإيصال اللقاحات المنقذة للحياة إلى الأطفال في جميع أنحاء العالم، ففي عام 2011 أعلن كل من سموّه ومؤسسة «بيل ومليندا جيتس» عن شراكة استراتيجية، تم خلالها تقديم 100 مليون دولار مناصفة بين الطرفين، لشراء وإيصال اللقاحات الحيوية إلى الأطفال في أفغانستان وباكستان.

أما النتائج النهائية للحملة التي نفذتها دولة الإمارات بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، رئيس الدولة، وأوامر ومتابعة محمد بن زايد، فكانت مفخرة حقيقية للإنسانية بشكل عام، فقد تكللت بالنجاح في إعطاء 73 مليوناً و299 ألفاً و231 جرعة تطعيم لأطفال باكستان ضد شلل الأطفال، منذ بداية العام الجاري لغاية مايو الماضي.

هذه الحملة في مراحلها المختلفة استطاعت أن تُقلل حالات شلل الأطفال بنسبة 71%، وهذا الإنجاز الذي تحقق يأتي بفضل الدور الاستثنائي والأهمية الخاصة التي قدمتها الإمارات لدعم المبادرة العالمية، التي أقرتها الجمعية العامة للصحة العالمية لاستئصال شلل الأطفال بنهاية عام 2018.

قد لا يستوعب كثيرون معنى هذه الأرقام، وعدد هذه الأمصال واللقاحات التي تم توزيعها على الأطفال، وقد لا يتخيل أحد حجم صعوبة هذه المهمة في منطقة يكثر فيها الفقر والجهل، وتتميز بالوعورة الشديدة، لكن باختصار نستطيع أن نقول إن هذه النتائج التي حققتها الحملة ترجمت إيجابياً على الأرض في عدد الحالات المسجلة لإصابة الأطفال بشلل الأطفال، حيث سجلت في أول خمسة أشهر من عام 2015، 24 حالة إصابة مقارنة بـ82 حالة تم تسجيلها في الفترة نفسها من عام 2014.

ويعني ذلك أن هناك 58 طفلاً نجوا من هذا المرض خلال خمسة أشهر، 58 طفلاً سيقفون على أرجلهم، وسيلعبون ويركضون، وسيعيشون طفولة طبيعية كنظرائهم في كل مكان، سيلتحقون بالمدارس، ولن يضطروا إلى الشحاتة على عجلات أو لوح صغير متحرك في الشوارع وبين السيارات، وهناك 58 أباً و58 أماً لن تنزل دموعهم حُزناً على أطفالهم، وخوفاً من المجهول الذي ينتظرهم!

ولاشك أن هناك المئات من الأطفال سيلحقون بهؤلاء في النجاة من شلل الأطفال، مئات الأطفال وجدوا طوق النجاة الذي أعطاهم إياه رجلٌ واحد، تحمّل المسؤولية، وتغلب على جميع الصعوبات ليهب هؤلاء الأطفال مستقبلاً أفضل، رجلٌ كله إنسانية، بل هو الإنسانية في شكل رجل.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر