كل يوم

الكراهية شعور.. لكن التحريض عليها جريمة

سامي الريامي

حرية الفكر مكفولة للجميع، لكن ليس من حق أي إنسان أن يسفّـه الآخرين ويشتمهم، لأن أفكارهم مختلفة عن فكره، وليس من حق أي إنسان أن يسيء ويتعدى باللفظ أو الكتابة على الآخرين، لأنهم لا يوافقونه الرأي، هُنا تخرج الحرية من إطارها المسموح لتدخل في إطار آخر يعرّفه القانون بأنه جريمة، والجريمة تتبعها عقوبة دون شك.

الاختلاف في الرأي، وتناقض الأفكار بين بعضنا بعضاً، أمرٌ طبيعي جداً، بل هو شيء حضاري، ونحن نردد دائماً، في مجالسنا، وفي نقاشاتنا، بأن اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية، لكننا لم نشاهد من يُطبّق ذلك، بل إن اختلاف الرأي بداية الخلاف الشامل، والقطيعة، ومن ثم هو بداية السبّ والقذف والشتيمة، وهو سبب الكراهية والحساسيات، وأكثر من ذلك!

«لابد من قانون واضح يفصل بين الكراهية كشعور، والتحريض عليها كجريمة مجتمعية تُدمر المجتمع، وتبث الحساسيات والطاقة السلبية فيه».

الكراهية شعور شخصي، لا يمكننا أبداً إجبار أحد على حُبّ أحد، كما لا يمكننا أبداً منعه من كُره أحد، فهي مشاعر خاصة تدخل ضمن نطاق الحرية الشخصية، لكن التحريض على الكراهية قضية أخرى، تخرج من إطار الحرية الشخصية لتدخل إلى إطار الجريمة، ولذلك لابد من قانون واضح يفصل بين الكراهية كشعور، والتحريض عليها كجريمة مجتمعية تُدمر المجتمع، وتبث الحساسيات والطاقة السلبية فيه، وتقود بدورها إلى جرائم أخرى أكبر وأعقد من التحريض في حد ذاته!

الأوضاع الحالية المحيطة بنا في المنطقة، هي الأسوأ على مر التاريخ الحديث ربّما، والمواجهات الدامية بين الطوائف والمذاهب والأحزاب منتشرة في كل مكان، وهي تلقي بتداعياتها وظلالها على كل المجتمعات القريبة، والإمارات ليست استثناء، ولا يمكن وضع أجهزة لمكافحة دخول الأفكار المتشددّة والمتطرفة والغريبة على حدود الدولة، كما نفعل مع المخدرات وغيرها، لكننا نستطيع تحصين المجتمع، بل إن تحصين المجتمع الداخلي ضرورة قصوى، والتحصين يجب ألا يقتصر على نشر الوعي والتثقيف فقط، فهناك من لا يقتنع أبداً بنصيحة أو كلام أو محاضرة أو مقال، وهناك من يتعصب بشدة إلى رأيه، ومن ثم يتهجّم على الآخرين بكل شدة ووقاحة، لذلك فالقانون هو الفيصل، ووجوده ضروري لوقف كل تصرف سلبي، وتالياً فنحن نحتاج إلى قانون يضع حداً للتحريض على الكراهية، سواء بالقول أو الكتابة في أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، قانون واضح يضع حداً لكل التجاوزات، والترهات، والإسفاف المنتشر بكثرة، وجميعه يؤدي إلى نشر الكراهية والحقد بين أفراد المجتمع على بعضهم بعضاً.

التحريض على الكراهية هو العنوان الشامل، وتفاصيله كثيرة، ونحتاج إلى مجموعة من القانونيين لتفصيله وتعريفه، ووضع تصوراتهم للوصول إلى أهداف عدة، أهمها تنظيم العشوائية الكلامية المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، والقضاء على أي احتقانات أو إرهاصات محتملة لفتح مشكلات اختلافية بين المذاهب، وتعليم كل إنسان مكامن حدوده في الانتقاد، ومنعه من التعدي على الآخرين بأي شكل من الأشكال، إضافة إلى تكريس دور دولة القانون، فهي الوحيدة التي لها حق تطبيق القانون، وتجريم الأشخاص ومعاقبتهم، ولا يحق لأي شخص أو فرد في المجتمع، أن يأخذ هذا الدور من الدولة، كما لا يحق له توزيع الاتهامات ورمي الناس بها، كل تلك الأمور وغيرها كثير، يحتاج إلى قانون عام مفصّل واضح يضع حداً لكل من يعبث بالمجتمع وأمنه وأمن أفراده، من خلال سلوكيات لها تأثيرات سلبية ضخمة.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر