5 دقائق

خطبة الجمعة.. الفرصة الضائعة

الدكتور علاء جراد

تعتبر خطبة الجمعة فرصة ذهبية لترسيخ قيم الإسلام والمعاملة الحسنة، خصوصاً أن نسبة حضور صلاة الجمعة هي نسبة عالية مقارنة ببقية الصلوات، لكن للأسف قلما ترتقي الخطبة لتعكس حجم التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، فلا تزال الخطبة في مختلف أنحاء العالم العربي تدور في الفلك نفسه، وبالأسلوب نفسه، والمصطلحات المحفوظة نفسها، لقد حضرت صلاة الجمعة في العديد من الدول العربية، ولم أجد اختلافاً كبيراً، لا في المحتوى، ولا اللغة، ولا طريقة العرض، وتقريباً فإن محتوى الخطبة يكاد يكون محفوظاً.

«جميع الخطب التي حضرتها في هذا المسجد ارتبطت دائماً بتغيير إيجابي في حياتي».

فكرت في ذلك وأنا أحضر خطبة الجمعة، الأسبوع الماضي، في مسجد جامعة سالفورد في مانشستر ببريطانيا، وعلى الرغم من رقة حال المسجد، وصغر مساحته، إلا أنني أكاد أتذكر جميع خطب الجمعة التي حضرتها فيه منذ عام 2006 وحتى اليوم، وعادة تكون الخطبة باللغة الإنجليزية، مع بعض الأجزاء باللغة العربية.. يجذبني أسلوب العرض من حيث المقدمة، والتحليل المنطقي لموضوع الخطبة، مع استخدام أمثلة وإحصاءات، والأهم الحجة وأسلوب الإقناع، ويبدو جلياً استخدام الخطيب الأساليب الحديثة في الاتصال، مع القدرة على توصيل المعلومة بطريقة شيقة، وربط المحتوى بالقرآن والسنة وتعاليم الإسلام، فهل عامل اللغة له دور؟ أم درجة تعليم الخطيب وثقافته؟

لا أبالغ إذا قلت إن جميع الخطب التي حضرتها في هذا المسجد ارتبطت دائماً بتغيير إيجابي في حياتي، فمرات شجعتني الخطبة على تنظيم وقتي بطريقة أفضل، ومرات على مساعدة الآخرين أو بذل المزيد من الاهتمام بأسرتي، فطريقة العرض تبتعد عن التلقين، بل تركز على الفعل، وتحث على التغيير الإيجابي، ويربط الخطيب موضوع الخطبة بالمفاهيم الحديثة في الإدارة، فيتضح للمستمع أن الإسلام عظيم، وأن نظريات الإدارة التي اشتهر أصحابها، ونذهب نحن إلى بلاد الغرب وندفع الآلاف لتعلمها، هي في الحقيقة موجودة لدينا، ومنبثقة من تعاليم الإسلام، لكن يبدو أننا ابتعدنا كثيراً عن التطبيق، واكتفينا بالترديد والتلقين. وما نراه اليوم من مجازر ترتكب باسم الإسلام ما هو إلا أحد أعراض عدم الانتباه لأهمية تغيير الخطاب الديني، وبصفة خاصة في خطبة الجمعة، لأنها متكررة كل أسبوع.

أعتقد أن خطبة الجمعة حالياً تعد فرصة ضائعة، لكن يمكن تحويلها إلى فرصة ذهبية تستثمر في تصحيح المفاهيم الخاطئة، وحتى يحدث ذلك لابد من تغيير جذري في معايير اختيار الخطباء، وفي مستوى تعليمهم وتأهيلهم وتثقيفهم، ولابد أن يتعلموا لغات أخرى، وأن يجيدوا استخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، بل لابد أن يتم اختبارهم سنوياً في المعلومات العامة والقضايا المعاصرة.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر