5 دقائق

جرعة لتحصين الشباب

خالد الكمدة

قد تكون قصص انحراف أو تطرف الشباب الأكثر أدباً والأعلى خلقاً مفاجأة ليس لذويهم فحسب، بل لجلّ أفراد المجتمع، حتى يصبح البحث عن المبرر قضية مؤلمة بحجم إيلام ما آل إليه الشاب أو الفتاة، لا يحتاج الأمر إلى كثير تفكير، إذا ما سلطنا الضوء على تلك البقعة العمياء في أساليب التربية، التي تشبه أختها في منهجية التعليم.. (التلقين).

«بات لِزاماً إدراك أن تربية ابن ليس كتلقين رجل آلي ليكون الأفضل بين أقرانه».

التلقين هو الجاني الأول في كثير مما يصل إليه أبناؤنا مما لا نحب، «دع عنك هذا الأمر»، «تصرّف هكذا»، «هذه هي الملابس التي يجب أن ترتديها»، «لا تدخن»، «حذار من المخدرات»، «لا تشغل هذه الموسيقى»... عبارات كثيرة يرددها الفاضلون من الآباء والأمهات، ممن يصنفهم المجتمع كأولياء أمر مسؤولين وحريصين على أبنائهم، قلما تؤسس لنفسها مكاناً في نفس الناشئة، عبارات فارغة من المحتوى، غير مشفوعة بشرح أو إيضاح، أوامر عسكرية لجيل كسر عنه الطوق بأجهزة ذكية تدعوه للتعرف إلى كل شيء، وتجربة أي شيء.

لماذا عساي إن كنت شاباً مندفعاً معتداً بنفسي أن أتلقى أوامر فارغة لا أعرف مدلولاتها ولا مبرراتها، ولم يثبت لي بالدليل القاطع صحة ما تهدف له؟

في عصر الانفتاح اللامحدود، وفي وقت تفشل فيه جميع خطط وبرامج الرقابة الأبوية، لا وسيلة لحماية الأبناء إلا تأهيلهم ليكونوا خط الدفاع الأول.

القدرة على النظر في جميع جوانب الأمور، فهمها والبحث في مضمونها ومآلاتها، استقلالية الرأي القائمة على الوعي الكامل، عدم الانجراف لتيارات لا تشبهنا ولا نشبهها، إعمال العقل في جميع ما يمكن الوصول إليه من معطيات لاتخاذ قرار بقبول أو رفض أمر بسيط بساطة أن تقول لابنك المراهق «لا تدخن»، هو ما يحتاج له الأبناء لاكتساب المناعة الذاتية.

بات لِزاماً إدراك أن تربية ابن ليست كتلقين رجل آلي ليكون الأفضل بين أقرانه، إن كانت الأوامر الفارغة أفلحت قبل عقود، فلأن الأجيال كانت تسير بمعظمها كدواب مغمضة الأعين تحركها عصا سائقها، أما وقد صار لدى أبنائك من العلم ما لم يصلك، وطرقت أزرار أجهزتهم مواقع لا يدركها خيالك، فلم يعد للتربية طريقاً إلا مخاطبة العقول.

أن تمنح أبناءك المهارات اللازمة لحماية أنفسهم، أن تجيب عن استفساراتهم وتشجعهم على طرحها، أن تحترم نقاشاتهم وتأخذ منها بقدر ما تعطي، أن تعليَ لديهم قيمة استثمار العقول التي فُضلوا بها على جميع المخلوقات، هو ما يحتاجه الأبناء، وبه فقط يصبحون خط الدفاع الأول.

http://thespiritofone.ae/

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر