5 دقائق

شهر المواساة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشهر الكريم «شهر المواساة»، أي مواساة الناس بعضهم بعضاً، لاسيما غنيُّهم فقيرَهم، يقال: آسَيْتُهُ بمالي مواساةً، أي جعلته إسْوَتي فيه، لكونه محتاجاً إلى ما عندي، وذلك فضل الله عليّ، فأشرك فيه غيري ليدوم الخير لي وله، وإنما كان هذا الشهر الكريم شهر المواساة، لما فيه من تزكية النفس بصنوف العبادات التي من أجلّها الصيام، الذي يحصل معه الشعور بالآخر المحتاج، الذي يتذوق الجوع في الصباح والمساء، والذي لا يرى فارقاً بين الشهر الكريم وغيره، إلا من حيث النية، فهو يبيت طاوياً ويصبح ضاوياً، فمن كان له فضل مال من زاد أو نقد أو غيرهما يشعر بأن إخوانه في الإنسانية لهم إليه حاجة، فيتذكرهم ويؤتيهم من مال الله الذي آتاه، ويؤاسيهم بالفضل الذي أتاه، ويشعر عندئذ بمنة الله تعالى عليه أن جعله معطياً لا آخذاً، وغنياً لا فقيراً، فإن لم يجد فضل مال يجود به فلا أقل من أن يفطّر صائماً، ولو على مذقة لبن أو تمر، فيكون له ذلك عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه، أو يشبع صائماً فيكون سبباً لمغفرة لذنوبه، ويسقيه الله من حوض نبيه، صلى الله عليه وسلم، شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، ويكون له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيءٌ.

«فمن لم يجد بالفضل فلا أقل من أن يؤدي الواجب من زكاة مفروضة للمال، إن كان ذا مال، أو الفطر وإن كان فقيراً».

وفي هذا من الحثّ على المواساة بفضول المال ما فيه كفاية لمن أراد الخير لنفسه، فإن هذه الدنيا إنما هي مزرعة الآخرة، وذلك ما لا يقصر فيه المؤمن، فضلاً عن أن يشح به أو يقتر، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر من المواساة ما لا يكون في غيره، كما روى ابن عباس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»، ليعلّم أمته كيف تكون المواساة.

فمن لم يجد بالفضل فلا أقل من أن يؤدي الواجب من زكاة مفروضة للمال إن كان ذا مال، أو الفطر، وإن كان فقيراً، كل ذلك لئلا يقصر المرء في نفع نفسه إن هو نفع إخوانه المؤمنين بشيء من علالات الدنيا الفانية، لاسيما مع كثرة الحاجات التي تحتم على العاقل عدم التقصير في وقتها، لعظم أثرها، وكبير أجرها، والموفَق من وفقه الله.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر