5 دقائق

الرجولة في عصر الفضاء الإلكتروني

سعيد المقبالي

بعيداً عن الإحصاءات والأرقام ومؤشرات القياس، وبالتدقيق البسيط والعشوائي ﻷيٍّ من مواقع التواصل الاجتماعي، نرى ملامح لنتيجة مؤسفة، وهي تزايد غريب في حالات الشباب الناشزين على قيم الرجولة، وكأن هناك مسابقة لأقوى صور ومقاطع المياعة والخلاعة!

الأسرة هي خط الدفاع الأول، وهي المرصد الحقيقي ﻷي سلوك غير سويّ يتسلل بين أفرادها، فتعزيزها معاني الرجولة منذ الصغر لدى أبنائها يشكل مناعة ذاتية لدى الشاب ضد أي شائنة سلوكية.

تجدهم كأنهم وضعوا معايير جديدة للرجولة، لا تعترف بمعاني الحياء والمروءة، بل كأن قصص اﻷخلاق والشهامة والنخوة أصبحت من أساطير اﻷولين، فلا يؤمن بعض شباب الفضاء الإلكتروني بها، فهم مؤمنون بأن الألفاظ المبتذلة والتصرفات والاستعراضات الساقطة، هي محط الاهتمام والسبيل لجذب المحبين والمشجعين من جماهير مواقع التواصل الإلكتروني!

مؤسفة حقاً هذه الحال، كأن هؤلاء الشباب طوال السنوات التي سبقت فتح فضاء التواصل الإلكتروني كانوا في سجن يكبت رغباتهم في التصرف المائع، وكأن هذا السجن هدمت أسواره أخيراً، فتسور سجناؤه حياتنا عبر كل وسيلة تواصل، وأصروا على استعراض مهاراتهم ذات المعاني القبيحة أمام الجميع، سواء بالرضا أو الإكراه!

والمحزن في اﻷمر أنه كان بإمكان هؤلاء الشباب أن يستغلوا مهاراتهم وطاقاتهم في تعزيز القيم الاجتماعية النبيلة، أو المساهمة في علاج قضايا المجتمع، والتوعية والإرشاد وتقديم الخدمات، إلا أنهم للأسف آثروا الظهور بالشخصيات الهزلية المنحطة على الشخصيات الجادة المتزنة!

هم أبناء مجتمعنا، ولا يمكننا أن نتبرأ منهم بسهولة، أو أن نكتفي بانتقاد سلوكهم، فمن الواجب بذل كل جهد لتقويم فكرهم وسلوكهم، وقد جاء قانون الخدمة الوطنية، كقرار حكومي، ليحقق هذا الهدف ضمن أهدافه الوطنية اﻷخرى، ويؤسس في فكر الشباب، دون سن الثلاثين، مفهوم المسؤولية والاتزان السلوكي، وكل قيمة وطنية وأخلاقية أو اجتماعية حميدة.

كما أن لوزارة الداخلية مبادرات عدة، للتصدي للاستغلال الخاطئ للفضاء الإلكتروني، خصوصاً لدى الأطفال والناشئة، وهي تعمل بشكل دؤوب على رفع الوعي المجتمعي بمخاطر الإنترنت بشكل عام.

ورغم هذه الجهود فلايزال الوضع بأمسّ الحاجة إلى مبادرات مجتمعية مسؤولة، خصوصاً من المؤسسات الثقافية والإعلامية، لتعمل على احتواء الشباب الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، وتساعدهم على جعل نشاطهم ذا قيمة، وله دور إيجابي، وتركز على توجيههم إلى ما يمكن أن يسهموا به لخدمة المجتمع والوطن، ومن المهم أن تكون لهذه المبادرات عوامل جذب، لتستقطب كل الفئات من أبناء الدولة.

ولا يقتصر الدور في هذا الجانب على المؤسسات الحكومية، أو مبادرات المؤسسات الإعلامية، فالأسرة هي خط الدفاع الأول، وهي المرصد الحقيقي ﻷي سلوك غير سويّ يتسلل بين أفرادها، فتعزيزها معاني الرجولة منذ الصغر لدى أبنائها يشكل مناعة ذاتية لدى الشاب ضد أي شائنة سلوكية.

كما أننا، كمواطنين ومقيمين على أرض الإمارات، نشكل أسرة واحدة، فإذا ارتدنا مواقع التواصل الاجتماعي ورأينا ما يسيء إلى الإمارات وأخلاق شعبها من أحد أبنائنا، وجب علينا أن ننصحه، وألا نشارك في نشر ما يبثه من تفاهات ومقاطع بذيئة، حتى لا يرانا مشجعين فيزيده ذلك غروراً بحماقاته وسلوكه المشين!

وأخيراً..

يا معشر الشباب، للرجولة بمعانيها الحقيقية فضاء أوسع من الفضاء الإلكتروني الضيق، فلتكونوا من روادها.

saeed@uae.net

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر